أمّن يجيب المضطر اذا دعاه (مدارج الصالحين)

أمَّن يجيب المضطر اذا دعاه
******************

" أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }النمل.62
******
دخل علي مكتبي متوكئا كتف قريبه متثاقلا في مشيته، ولا زالت آثار ما ألمَّ

به بادية على محياه ،وقد تضخم عنقه وانتفخ جسده جراء ما يتناوله من

(الكورتيزون) ، الا أن ابتسامته كانت في أجلِّ حالاتها .

كنت اترقب لقائه ، تحدوني الرغبة في الوقوع على أثر تلك التجربة التي مرَّ بها

على نفسه وحياته

تجربة !! ربما التمس منها ما ينفض عن قلبي ما ران عليه من وطأ الحياة ،

و عن نفسي ما أثقلها من أدران الدنيا .

جلس الي ساعة لم تفارقه فيها ابتسامته ، ولم تفارق عيني ملامح وجهه ،

اترصد في عينيه غايتي

قال : اخبرني طبيبي ، أنه علي اتخاذ القرار المصيري ، اما ان اجري العملية

الجراحية لاستئصال الورم الخبيث الذي استوطن راسي فترة طويلة ، واما

ان استسلم لقدري المحتوم على ما انا عليه

وعندما سالت الطبيب عما قد يؤول اليه الامر اذا اجريت الجراحة ، كانت كل

الاحتمالات قاسية ؛ بين الدخول في غيبوبة لا يعلم الا الله كم تطول وعلاما

تنتهي ، او الشلل او العمى .

واستخرت ربي متوكلا ، واستسلمت لقدري ، وايقنت اني بين يدي الله ولطفه

على كل حال ، وتخيلت نفسي بين أمرين ؛ اما ان يستنهضني صوت بشر

مهنئا بالسلامة ، واما صوت يسألني ؛ من ربك ؟ وما هو دينك !!.

كانت اللحظة التي نطقت بها بالشهادتين مهيبة ، كل تصوراتي السابقة لم

تكن ابدا على هذا القدر من الرهبة

في هذه اللحظة تماما ، وقبل ان يأخذ التخدير مأخذه تماما ، وجدت نفسي اكرر

واكرر بلا توقف قول الله تعالى

" أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ
قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }النمل62

يا رب ، أنا المضطر ، وانت المجيب ، ومنك الرجاء واليك الملجأ وبك النجاة ،

انا المضطر يا رب ، أحد عشر ساعة مضت ويد الجراح تعبث في راسي ،

ويد الله مبسوطة الي بالرحمة

لم اعرف كم مضى من وقت ، عندما انتهى الي صوت الطبيب مهنئا بالسلامة ،

ويردد انت رجل يحبه الله ، وكلما عادني متفقدا حالي ، كان يكرر مقالته ؛

انت رجل يحبه الله ويهز راسه متعجبا !!

قاطعه قريبه قال : سالت الطبيب عن سر مقالته تلك ، فاجابني وبعض

الدهشة على وجهه : انظر الى صديقك ، لم يصبه شيء مما توقعناه ،

فلا شلل ولا عمى ولا غيبوبة ، سينجو ان شاء الله ، ولكن هناك ما هو الاهم ،

كنت اشعر انا ومساعديَّ خلال اجرائنا العملية ان ايدينا تسابقنا ، لم اشعر

بشيء يشبهه طيلة حياتي المهنية ، كان امرا عجيبا ، هذا رجل يحبه الله .

قال صديقي : عندما افقت وجدتني لا زلت اكرر الآية ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا

دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) ، ثم أردف قائلا :

تعلقتُ بالآية وايقَنَت بها نفسي مذ سمعتها من فم خطيب يذكر قصة رجل

كان يكاري على بغل له من دمشق إلى الزبداني ، وكان برفقته ذات مرة

رجل ، لم يلبث أن غدر به واضطره الى واد ، وسل سكينه يريد قتله ،

يقول المكاري : فخوفته الله والعقوبة فلم يقبل ، فاستسلمت بين يديه وقلت :

إن رأيت أن تتركني حتى أصلي ركعتين ؟

فقال : [ صل ] وعجل .

فقمت أصلي ، فأرتج علي القرآن فلم يحضرني منه حرف واحد ، فبقيت واقفا

متحيرا وهو يقول : هيه . افرغ . فأجرى الله على لساني قوله تعالى :

(أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ) ، فإذا أنا بفارس قد أقبل من

فم الوادي ، وبيده حربة ، فرمى بها الرجل فما أخطأت فؤاده ، فخر صريعا ،

فتعلقت بالفارس وقلت : بالله من أنت ؟ فقال : أنا جندي من جنود الله

الذي يجيب المضطر إذا دعاه ، ويكشف السوء .

قال : فأخذت البغل والحمل ورجعت سالما .

سبحانك ربي لا اله الا انت فمن سواك ندعو ، ومن غيرك نرجو

وانت القائل : ( وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه ) [ الإسراء : 67 ] ،

وقلت سبحانك : ( ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ) [ النحل : 53 ] .

وقولك الحق : " أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء
الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }النمل.62

اللهم اجعلنا من هذه القلة الراشدة ، واهدنا صراطك المستقيم .