الحِلم (مدارج الصالحين)

الحِلم
****

قال ابو الدرداء رضي الله عنه لرجل أسمعه كلاما :

" يا هذا لا تُغرِقَنَّ في سبنا ، ودع للصلح موضعا ، فانا لا نكافىء

من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله عز وجل فيه "

هذه الاناة وهذا التعقل من ابي الدرداء رضي الله عنه ، انما

هم الحِلم بعينه ، فتأمل في طمأنينته في وقت لا يُتَوقعُ فيه

الا الغضب ، لقد كان سفه الرجل ذُلا له ،فيما كان فعل ابي الدرداء

عزا له ورفعة .

فالحلم يستدعي اجتلاب صبر النفس وكف الجوارح ، وشرف النفس

أن تحمل المكاره كما تحمل المكارم .

روى ابو هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال :

" انما العلم بالتعلم ، والحلم بالتحلم.

وقال صلى الله عليه وسلم لأشج بن قيس :

" إن فيك خلقين يحبهما الله ورسوله ، الحلم والأناة.

قال ابو الدرداء :" ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ، ولكن الخير أن

يعظم حلمك ، وان يكثر علمك."

ومن احسن خصال المرْ ء ؛ حلم من غير ضعف ولا مهانة ،

وتؤدة في غير ذل واستكانة ، وفيه ايضا راسماله ، وتاج وقاره

فاذا رأى الناس ذلك فيه أقبلوا عليه ، واذا فقده تولوا عنه

واليكم مقالة الجاحظ الجميلة:

" الصدق والوفاء توأمان ، والصبر والحلم توأمان ، فيهن تمام كل دين

وصلاح كل دنيا ، وأضدادهن سبب كل فرقة ، وأصل كل فساد."

فان كان الحلم لا يعرف الا عند الغضب ، فان أحلم الناس من عفا بعد

القدرة ، فما جرعة أحب الى الله عز وجل من جرعة غيظ يكظمها عبد

بحلم يبتغي بذلك وجه الله تعالى .

وقال الشاعر:

أحب مكارم الاخلاق جهدي ...................وأكره أن أعيب وأن أعابا

وأصفح عن سباب الناس حلما .....وشر الناس من يهوى السبابا

وقال آخر:

ألم ترى ان الحلم زين مسود......لصاحبه والجهل للمرء شائن

فكن دافنا للشر بالخير تسترح.....من الهم إن الخير للشر دافن

وقال آخر:"

من يدعي الحلم أغضبه لتعرفه ....لا يعرف الحلم الا ساعة الغضب

ومن جميل القول ما قال الشافعي :"

يخاطبني السفيه بكل قبح.....وأكره أن أكون له مجيبا

يزيد سفاهة وأزيد حلما .......كعود زاده الاحراق طيبا

أمين قلاوون