الحكمة ضالة المؤمن (مدارج الصالحين)

الحكمة
******

الحكمة : علم يُبحثُ فيه عن حقائق الاشياء ،على ما هي

عليه في الوجود بقدر الطاقة البشرية ،

وهي هيئة القوة العقلية العلمية ، المتوسطة بين الغريزة التي

هي افراط هذه القوة والبلادة التي هي تفريطها .

وقيل: كل كلام وافق الحق فهو حكمة

وقيل: الحكمة هي : الكلام المعقول المصون عن الحشو

والانسان برأي يحتاج لادراك الحكمة الى ثلاثة امور :

ايمان عميق ، وعقل مبصر ، وزهد في امور الدنيا .

اما الحاجة الاولى؛ ايمان بالله عميق
************

قال تعالى :"يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذَّكرُ الا اولوا الالباب* البقرة_269

فالحكمة فضل من الله عز وجل ، يمنُّ به على طائفة مختارة من

عباده ، استنارت عقولهم بمعرفة الحق واعتبرت نفوسهم من وقائع

الحياة ، واستعدت اذهانهم لادراك الخير من الشر ، والحق من

الباطل والصحيح من الخطأ ، وما يصلح مما يفسد ، وزهدوا في

امور الدنيا رجاء الفوز بما عند الله ، وادركوا رأس الحكمة في الخوف

من الله بقدر توقهم لعفوه ورحمته والقرب منه سبحانه، فمن أراد

الحكمة فلا يعص الله تعالى.

فالعقل والنفس والذهن امر واحد، الا انها سميت عقلا لكونها مدركة ،

وسميت نفسا لكونها متصرفة ، وسميت ذهنا لكونها مستعدة للادراك .

اما الحاجة الثانية ؛ فعقل مبصر
************
والعقل جوهر روحاني خلقه الله تعالى متعلقا ببدن الانسان،

وهو قوة للنفس الناطقة .

قال سفيان : ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشر ، ولكن العاقل

الذي يعرف الخير فيتبعه ويعرف الشر فيجتنبه.

والمؤمن الفطن شديد الحذر على نفسه يخاف على عقله الآفات،

وآفات العقل ؛ الغضب والشهوة والحرص والكبر والغفلة، وهي آفات

مهلكة ، تذهب بالبصيرة ولا تورث الحكمة.

قال ابن الكلبي انما ساد الاحنف بن قيس بحلمه ، ومالك بن مسمع

بحب العشيرة له ، وقتيبة بن مسلم بدهائه ، وساد المهلب بهذه

الخلال كلها.

وقال الحسن : لا يتم دين الرجل حتى يتم عقله.

وقال عباد المنقري: لو كان العقل علقا يُشترى لتغالى الناس في

شرائه، فالعجب من أقوام يشترون بأموالهم ما يذهب بعقولهم.

وقال الامام علي رضي الله عنه: التوفيق خير قائد، وحسن الخلق

خير قرين ، والعقل خير صاحب ، والادب خير ميراث ، ولا وحشة

أشد من العُجب.

وهكذا ليس للعقل المبصر شغل الا النظر في العواقب ، وهو بذلك

لا يشير الا بما هو صواب وبما يؤدي الى صواب،

فالنظر في العواقب شأن العقلاء، والعقل دليل المؤمن ، وآية العقل

سرعة الفهم.

اما الحاجة الثالثة ؛ فزهد في أمور الدنيا .
**************
فصاحب الهوى واللاهث الطامع في مسائل الدنيا ، مهما بلغت مداركه

وتفتح ذهنه ، فسوف ينصرف همه فيما طمع فيه ، وهذه آفة تجنح

بصاحبها الى التهلكة ، فيما القناعة كنز لا يدركه الا عاقل ترفعت نفسه

، واستغنى عما في ايدي الناس ، فالقناعة مرؤة وكرم نفس

ورضى بقضاء الله.

قال بعض الحكماء: من نظر الى الدنيا بغير العبرة انطمس مِن بَصَرِ

قلبه بقدر تلك الغفلة.

قال ذو النون : اليقين يدعو الى قصر الامل ، وقصر الامل يدعو الى

الزهد ، والزهد يورث الحكمة، وهي تورث النظر في العواقب.

وقال ابو سليمان : الدنيا حجاب عن الآخرة ، والفكر في الآخرة

يورث الحكمة ويحي القلوب.

فاذا كان بالادب يُفهم العلم ، فبالعلم يصح العمل ، وبالعمل تنال

الحكمة ، وبالحكمة يقام الزهد ، وبالزهد تترك الدنيا ، وبترك الدنيا

يُرغَبُ في الآخرة ، وبالرغبة في الآخرة تُنالُ الرتبة عند الله عز وجل.

ونختم مع الشاعر اذ يقول:

وأفضل قَسم الله للمرء عقله..........فليس من الخيرات شيء يقاربه

فزين الفتى في الناس صحة عقله.....وان كان محظورا عليه مكاسبه

يعيش الفتى بالعقل في كل بلدة....على العقل يجري علمه وتجاربه

ويزري به في الناس قلة عقله................وان كرمت اعراقه ومناسبه

اذا أكمل الرحمن للمرء عقله....................فقد كملت أخلاقه ومآربه

وقال:

لا حير في حسن الجسوم وطولها...إن لم يزن حسن الجسوم عقول

************************

أمين قلاوون

» اتقوا فراسة المؤمن (مدارج الصالحين )
» الى أمي (مدارج الصالحين)
» خوف ورجاء (مدارج الصالحين )
» الحِلم (مدارج الصالحين)
» قيم الحرية (مدارج الصالحين)