المفسدون في الارض (5)

يهود المدينة

كان اليهود قبل البعثة النبوية يتوعدون مشركي العرب بأنه أظل زمان يبعث فيه نبي آخر الزمان وأنهم سيتبعونه وينتصرون به على العرب
{ فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين} البقرة من الآية 89.
وكانت لهم عدة مستوطنات في جزيرة العرب أهمها خيبر ذات الحصون المنيعة ، والمدينة (يثرب) ، وكان لهم فيها احياء ثلاثة ؛ بنو قينقاع، بنو النضير وبنو قريظة .
وعندما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة ، وقد اسلم من اهلها من أسلم ، وآخرون ما زالوا على شركهم ، ومن ذكرنا من اليهود ، حرص على التاسيس للعيش المشترك بين هذا التنوع العقدي والقبلي والقومي (باعتبار اليهود قومية مستقلة على ما يزعمون )، فكانت وثيقة المدينة .
أوضحت وثيقة المدينة أن العدل في باب القضاء أساسٌ عظيم لضمان تعايش المواطنين في الدولة. وفرضت الوثيقة على الجميع أن يكونوا ضد الظالم يدًا واحدة، وأنه لا يحل لهم إلا أن ينصروا المظلومين ضد الظالمين ، وأقرت بمبدأ التعددية -بكل تجلياتها- والقبول بالآخر المختلف دينيًّا وعرقيًّا وثقافيًّا، وأن بطانة اليهود ممثلين ببني عوف أمة مع المؤمنين، وعاهد الرسول صلى الله عليه وسلم اليهود على ألا يكره أحد على اتباع أي دين وألا يعتدي أحد من اليهود والمسلمين على الآخر، وأن يتعاونوا جميعًا لصد أي اعتداء على المدينة.
الا ان يهود جبلت على بث الفتن ، فكانوا هم السبب في ظهور المنافقين وإشاعة الشائعات والشبهات، وقد أثاروا الناس عندما حول الله قبلة المسلمين من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام وحاولوا كثيرًا إعادة الأوس والخزرج إلى حروبهم الأولى. وكل ذلك كان يسكت عنه المسلمون، حتى كانت الخيانة ونقض العهود والمواثيق.
فلم تمض سنتان على الوثيقة (العهد) ، حتى نقضها بنو قينقاع ، وكانت وسيلتهم الى ذلك اعتدائهم على حرمة امرأة مسلمة ، وانتصار رجل مسلم لها ، وقتله المعتدي ، ثم قتله اليهود ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أشهر ثم نفاهم الى الاردن .
ثم ان كعب ابن الاشرف وقد كان شاعرا مفوها ، ساءه انتصار المسلمين في بدر ، فراح يهجو المسلمين في كل دائرة ، ولم تسلم نساء الصحابة من لسانه ، فانتدب له رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتله ، واراح المسلمين من شره
وكان أن خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه إلى يهود بني النضير لجمع بعض الديات ، فقال اليهود لرسول الله : اجلس هاهنا حتى نقضي حاجتك ، فجلس إلى جنب جدار من بيوتهم ، ينتظر وفائهم بما وعدوا ، ولكن اليهود أعطوا أحدهم رحىً ليرميها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقضي عليه ، وبينما هم يخططون ، إذ نزل الوحي يفضحهم ، فهب رسول الله وهب أصحابه معه ، وخرجوا وأخبرهم بما أراد اليهود ، فكانت غزوة بني النضير وانتهت باخراج يهودها من المدينة ، وارتحل اكثرهم الى خيبر .
اوغر بنو النضير بني قريظة وحرضوهم على المسلمين ،حتى كانت غزوة الاحزاب ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم مطمئنا من جهة الجنوب لأن فيها حصون بني قريظة المنيعة، غير انهم خانوا العهد ، وأخذوا جانب الاحزاب في حصارهم المدينة ، فلما انهزم الاحزاب عنها ، عاجلهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالحصار ثم العقوبة ،ونزلوا على حكم سعد بن معاذ فأمر بقتل الرجال وسبي النساء والأطفال، فنفذ فيهم حكمه.
واثار اهل خيبر الفتن واكثروا الفساد ،فسار اليهم الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة السابعة للهجرة ، ففتح حصونها ثم صالح اهلها على شروط يؤدونها ، وبقوا في خيبر حتى اجلاهم عنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
رغم كل ذلك ، بقي اليهود يتربصون بالمسلمين ، وما زالوا

» المفسدون في الارض (4)
» المفسدون في الارض (3)
» المفسدون في الارض (2)
» المفسدون في الارض (1)