لبنان اي وطن (الحلقة السادسة )

الموحدون الدروز (الحلقة السادسة )

*********************

لقد أمنت زعامة جنبلاط غطاء سياسيا للفلسطينيين في هذه الحرب

حتى أن أبو الحسن سلامة القائد الفلسطيني الفذ يقول :

لو كان لنا في الاردن غطاء مماثلا للغطاء الذي يؤمنه كمال جنبلاط في لبنان ،

لما كان أيلول الاسود ربما !.

هذا الغطاء السياسي أدى الى تضاعف النفوذ الفلسطيني في لبنان ،

ومعها اشتد تلاحم الحركة الوطنية بقيادة جنبلاط مع الثورة الفلسطينبة،

إلا أنه بقدر ما كان هذا التلاحم يقوى كان سوء التفاهم مع سوريا يقوى

بدوره ويشتد ، فالاستراتيجية السورية والدور المنوط بها في الساحة

اللبنانية لم تكن تسمح على الاطلاق بانفلات حبل المنظمات

الفلسطينية من قبضتها ناهيك عن تدوير منطقة نفوذ خاصة بتلك

المنظمات ، لذلك راحت سوريا فيما بعد تتصدى لتلك المنظمات وتعمل

على تحجيمها وتطلق مقولة " أمن سوريا من أمن لبنان "

في خطاب للرئيس حافظ الاسد القاه في 20 تموز 1976 ، روى ما كان

بينه وبين جنبلاط من كلام عن الحسم العسكري ، وكيف أن جنبلاط

قد أصر على هذا الحسم قائلا للاسد : " دعونا نؤدبهم ولا بد من

الحسم العسكري ، فمنذ مئة وأربعين سنة يحكموننا ، يجب التخلص منهم ".

كلام جنبلاط مع الاسد جاء بعد زيارة مبعوث كسينجر دين براون لقصر

المختارة، حيث عبر براون عن تشاؤمه من مستقبل التعايش بين الدروز

والموارنة ، وفهم جنبلاط من ذلك موافقة على التقسيم ، وبالتالي

استمرار الحرب ، ثم زار براون أيضا زعماء الموارنة وأوضح لهم أنه لايمكنهم

توقع الانقاذ على يد البحارة والجنود الاميركيين كما في عام 1958 ولكن

خلاصهم يكمن في تقوية أنفسهم من خلال علاقات أوثق مع إسرائيل.

يومها راح البيت الابيض وكيسنجر وبراون والسفارة الاميركية في دمشق

يكيلون المديح لدور سوريا البناء وموافقتهم على تعزيز هذا الدور ،

لقد أعطى الاميركييون الضوء الاخضر لسوريا أن تدخل جيشها الى لبنان .

أراد كيسنجر إضعاف سوريا في لبنان وإشغال العرب بقضية أخرى غير

فلسطين( اشغلوهم اليوم بقضية اخرى -الشيعة والسنة)، كانت مصلحة

اسرائيل هي الهدف ، ومرة أخرى تم استغلال التركيبة الطائفية اللبنانية .

ويروي جوزيف أبو خليل المسؤول الكتائبي رواية ينقلها عن الرئيس حافظ

الاسد كيف جاءه كمال جنبلاط إبان الحملة الفلسطينية الدرزية على

الجبل ، معترضا على الموقف السوري

قال الأسد " دخل عليّ جنبلاط وقد إحمرت عيناه وانفكت ربطة عنقه

كأنه آت لتوه من المعركة ، وبعصبية فائقة راح يحدثني عن حكم

الموارنة الذي آن له ، في نظره أن يزول ، وقال لي : إن سوريا تفوّت

علينا فرصة لن تتكرر ، ولما حاول تبرئة نفسه وحركته من أية عصبية

طائفية قلت له:إنكم مسلمون تهاجمون المسيحيين في مناطقهم

وهم يدافعون عن أنفسهم وعن مناطقهم ، فإن لم تكن حربا طائفية

فماذا تكون؟" .

لقد كان تاريخ الصراع ماثلا بكليته في تفكير كمال جنبلاط لشدة يأسه

من السياسة المارونية وتطرفها ، علما أن الاسد عندما افصح عما دار

بينه وبين جنبلاط ، كانت دمشق قد اتخذت قرارها في التصدي للقوى

الفلسطينية والاسلامية ، وفي نفس الوقت كانت الاسلحة الاسرائيلية

تتدفق على الكتائب وغيرها من التنظيمات المارونية إضافة الى التدريب

العسكري لافرادها .

وفي يوم إشتد فيه القصف العشوائي على بيروت قتل من جرائه

العشرات ، هدد جنبلاط غاضبا " منذ اليوم ستكون هناك حرب حقيقية"

متهما خصومه كالعادة بالفاشية وغيرها من المسميات التي إعتادها

اللبنانيون اثناء الحرب ، ولما انتهت تلك الحرب رفض الذهاب الى سوريا

وساءت بالتالي علاقته بها ، وبعد أيام قليلة في آذار 1977 تم إغتياله .

لقد كان جنبلاط من أشد المشاركين في الحرب الأهلية عنادا ، في

حين أن اليساريين وخاصة في الغرب يجلّونه باعتباره فيلسوفا إشتراكيا .

لم يتعلم زعماء الموارنة من تجاربهم ، فبدلا من أن يبذلوا جهدهم لاقناع

شركائهم المسلمين والدروز بحسن نواياهم واستعدادهم لتثبيت

حالة من العيش المشترك ورفض التدخل الأجنبي ، نرى أن بشير الجميل

يسير بقواته خلف الجيش الاسرائيلي المحتل عند دخوله بعض مناطق

الجبل ، ناقبا جروحا قديمة ومثيرة زارعا مزيدا من القتل والخراب ،

وليتواجه الموارنة والدروز مجددا ، وليحمل جيل آخر مزيد من الحقد

لمواجهة قادمة في زمن قادم

انتهت حرب الجبل بعد انسحاب الاسرائليين بتهجير مزيد من المسيحيين ،

خمسون قرية أفرغت من ساكنيها ، لم يسبق لاي منهم أن غادرها

منذ بداية الحرب الاهلية.

أثبت زعماء الموارنة عجزهم عن استيعاب دروس الماضي وغلبت عليهم

شقوتهم ، فقد راهن أمين الجميل رئيس الجمهورية بكل شيْ على

الاميركيين ظانا أنهم سيعيدون اليه لبنان بأسره على طبق ، فرفض

كل المساعي حتى تلك التي إقترحها الاسرائيليون لاجراء المصالحة

مع وليد جنبلاط الزعيم الشاب الذي ورث أبيه في زعامة الطائفة الدرزية ،

ووراثة الزعامة عادة عربية ولبنانية بامتياز.

سعى الكثير قبل ذلك وعلى رأسهم الرئيس الياس سركيس لاجراء

مصالحة بين بشير الجميل ووليد جنبلاط ، بائت كلها بالفشل رغم

توصل مندوبي الفريقين سنة 1980 الى مشروع ميثاق وطني ،

مثل جنبلاط يومها سمير فرنجية و رياض تقي الدين ومثل بشير الجميل

جوزيف أبو خليل و انطوان نجم ، لقد التقى الكل على فكرة مفادها :

استرداد لبنان لايمكن أن يتم الا باسترداد الجبل عبر تحالف الدروز والموارنة،

ورغم الفشل في توقيع أي اتفاق ، الا أن جنبلاط ترك انطباعا قويا

لدى محاوريه وعلى رأسهم جوزيف أبو خليل(بما كان يمثله في القوات اللبنانية)

استعدادا أكيدا لاجراء مصالحة حقيقية ، كان مطلب جنبلاط دقيقا ؛

يريد تأكيدا قويا لموقع الطائفة الدرزية في أية صيغة وطنية جامعة ،

لكن خوفه ايضا كان واضحا على حياته ومستقبل جماعته ،

ثم توالت الاحداث لتؤكد صحة هذه المخاوف ؛ كان على جنبلاط أن ينتظر ! .

ورث جنبلاط عن أبيه حذره الشديد عند التعاطي مع الموارنة ، لم يك

مستعدا للمخاطرة بالدخول وحيدا في اية تسوية مهما كانت نتائجها

نظرا لارتباطات جنبلاط مع حلفائه ودمشق من جهة ، ولانعدام عنصر

الثقة بالطرف الآخر من جهة أخرى ، وقد أوضح خوفه لاحد محاوريه الموارنة : "

نحن أشد حرصا منكم على الدولة ، فهي سندنا الوحيد ، فيما انتم لا

يعوزكم السند إذا غابت الدولة وتوارت، فورائكم الغرب كله ، وورائكم الفاتيكان ،

أما نحن فليس هناك ما نسند اليه الظهر الا الدولة ، شرط أن تكون فعلا

السند لنا والحمى".

أمين قلاوون

» سوريا ...نهاية مرحلة (الحلقة السادسة ).
» سلسلة الانحراف الشيعي الاثنا عشري (الحلقة السادسة )
» لبنان اي وطن ...(الحلقة الثامنة )
» لبنان اي وطن .......(الحلقة التاسعة)
» لبنان .....اي وطن (الحلقة العاشرة )