لبنان اي وطن .....(الحلقة الخامسة عشر )

لبنان اي وطن ....!! (الحلقة الخامسة عشر )

الموارنة قبل الاحتلال الصليبي
*********************

سبق أن ذكرنا أن ملامح المجتمع اللبناني توضحت تماما في منتصف

القرن العاشر ، وقد خضع لبنان ابتداء من سنة 969م. لحكم الفاطميين ،

في هذا الوقت تزايد الموارنة في جبل لبنان لاستمرار حركة نزوحهم

من نواحي حماة ومعرة النعمان وحمص وشيزر وبلاد الشام الشمالية

وقلنا أن التعايش وحسن الجوار كان يسود بين الطوائف والمذاهب في

أنحاء لبنان. علما أن المؤرخين والجغرافيين المسلمين والموارنة بالغوا

في وصف جبل لبنان خلال هذه الفترة وجعلوا له قدسية لم تمنح لغيره

، حتى أن بعض المسلمين وصفه بأنه أحد جبال الجنة ، وأنه أحد

الجبال الثمانية التي تحمل العرش ..الى غير ذلك من المبالغات

الطريفة ، وفي الواقع كان جبل لبنان خلال هذه الفترة مؤلا لعباد

وزهاد الموارنة والمسلمين على حد سواء.

هذه الاهمية التي حظي بها جبل لبنان لدى اللبنانيين من كل الطوائف

، انما تدل فعلا على حال الوئام والتعايش الذي كان يسود بين سكانه،

كما تدل على خمود الفتن ورضى الناس.

حكى العابد الزاهد ذو النون عن إمرأة متعبدة كانت بجبل لبنان فقال:

كنت بجبل لبنان أتعبد ، فبينما أنا يومئذ جالس أبكي إذ براهبة عليها

المسوح، فأقبلت فجعلت تبكي معي ، ثم إنصرفت ومر الدهر زمانا

وقد نزلت عن الجبل فأنا جالس عند بعض إخواني من البرارية إذ أقبلت

الراهبة بعينها فوقفت علي فقالت : يا شيخ، رأيت فرحتك فأبكتني،

فما انصرفت بنفسي زماني.

هذه الحكاية واحدة من حكايا كثيرة عن لقاءات كانت تجري بين الزهاد

المسلمين والنساك النصارى ، كما أن الموارنة ساهموا كغيرهم من

مواطني الدولة في حركتها السياسية والعلمية والأدبية ، وإشتهر من

بينهم كثيرون ولمع نجم توفيل بن توما الرهاوي بصفته مؤرخا ومترجما

وكمنجّم فلكي ، وقد برع في مهنة التنجيم حتى صار رئيسا للمنجمين

عند "المهدي العباسي " وأقام في بغداد وتوفي فيها.

لقد شهدت فترة الحكم الفاطمي وخاصة أيام الحاكم بأمر الله العديد

من الحملات البيزنطية طاولت كامل الساحل اللبناني ، وكانت مهمة

الدفاع عن لبنان منوطة أساسا بالمجاهدين المسلمين ، وكانت

القوات المعادية بحاجة الى معين من أهل البلد ، وحاولوا ذلك مع

الموارنة إلا أن محاولاتهم بائت بالفشل .

شهدت بلاد الشام بعض الاضطرابات في عهد الحاكم بأمر الله نتيجة

لجوره وكثرة سفكه للدماء واصدار الاحكام العجيبة غير المبررة ، هذه

الأحكام لم توفر مسلما ولا نصرانيا ، ففي سنة 401 ه.(1010م.)

أصدر أمرا بقتل قاضي طرابلس والجوار "إبن حيدرة".كما قتل في

السنة ذاتها أمير دمشق لؤلؤ البشاري ،قتله في بعلبك ، وفي

السنة التالية أصدر أمرا بهدم جميع الكنائس في مصر وبلاد الشام

ثم أطلق الحرية للنصارى واليهود بالهجرة الى بلاد الروم أو الحبشة ،

وبالفعل هاجر الكثير من النصارى واليهود الى إنطاكية واللاذقية وغيرها

من المدن تحت حكم الروم ،واستمرت المحنة الى سنة 1013م.

رغم هذه الاحكام التعسفية التي وردت آثارها في دائرة المعارف

اليهودية وتاريخ الأنطاكي و"الحاكم بأمر الله" _لعنان _ إلا أنها طالت

النصارى من أهل المدن الساحلية وبقي ساكنوا الجبال بمأمن منها .

ثم أن الاتفاقات التي عقدتها الدولة الفاطمية مع البيزنطيين سنة

1038م. أدت الى حال من الأمن إمتد الى العام 1056م.شهد لبنان

خلالها إزدهارا في الحياة الاقتصادية والعمرانية ، يشهد بذلك

"لأرشيبالد لويس" والرحالة الفارسي "ناصر خسرو" و"إبن الأثير"

وغيرهم ،وفي حين أن المصادر التاريخية تشير الى انتفاض طرابلس

مرتين في وجه الدولة الفاطمية فإنها لم تشر الى أي تحرك سياسي

ماروني معارض ، بل إن المصادر تشير الى تعزيز المشاركة الاجتماعية

والثقافية بين مختلف الطوائف اللبنانية .

نعم كانت السلطة تحكم من منطلق ديني ، بل ومذهبي أيضا ،

ورغم ذلك لم تسجل المصادر التاريخية أي حادثة مذهبية ، ولا حتى

طائفية خطيرة بين سكان لبنان .

ثم إن الفترة من 1057م. ولغاية الاحتلال الصليبي، شهدت المنطقة

صراعا عسكريا ومذهبيا بين الفاطميين والسلاجقة ،كان لبنان في

جزء منه مسرحا لبعضها ،بل ترى بعض المصادر أن كلا الفريقين عمل

على تسهيل الدخول الصليبي رغبة في القضاء على الفريق الآخر،

وهكذا تيسر للصليبيين احتلال ساحل الشام الأمر الذي لم يتيسر

للبزنطيين من قبل.

ومع التغلغل الصليبي سنة 1099م. بدأْ شيطان الغرب بتهيئة أرض

الموارنة وتعهدها بالرعاية الى أن يحين موعد حرث بذور الفتنة ثم

موعد قطافها حروبا أهلية .

************

» لبنان اي وطن (الحلقة الخامسة )
» سوريا......نهاية مرحلة (الحلقة الخامسة)
» سلسلة الانحراف الشيعي الاثنا عشري (الحلقة الخامسة )
» لبنان اي وطن ...(الحلقة الثامنة )
» لبنان اي وطن .......(الحلقة التاسعة)