سوريا....نهاية مرحلة (الحلقة العاشرة)

الحلقة العاشرة

بدأ جورج شولتز وزير الخارجية الاميركية برحلات مكوكية بين بيروت والقدس لوضع اللمسات

الاخيرة على ما سمي فيما بعد اتفاقية السابع عشر من ايار ، وكان رئيس الحكومة اللبنانية

حينها شفيق الوزان الذي لم تكن لتخفى عليه اهداف الدبلوماسية الاميركية ، قد واجه الوزير

الاميركي بذلك.

" ايها السيد الوزير ، يجب ان اخبرك بانني اشعر بالخزي والتعاسة ازاء شروط هذه الاتفاقية التي

لن أوقع عليها الا باقصى درجة من التمنع والاحجام ، أهذا كل ما تستطيع أميركا العظيمة أن

تؤمنه لنا ؟".

كانت الحكومة اللبنانية الضعيفة تسعى لدى الامركيين للتخلص من مطالب الاسرائيليين من

جهة وضغوط السوريين من جهة ثانية ، غير ان املهم خاب تماما ، فقد ترك الاميركيون للبنانيين

مهمة اقناع السوريين بالانسحاب .

وكذلك فعل الاسرائيليون من خلال التعهدات التي اخذوها على الاميركيين ، لقد تركوا لانفسهم

حرية اتخاذ الموقف المناسب من الاتفاقية ما دامت هناك قوات سورية على الاراضي اللبنانية

لقد اعطوا الاسد حق النقض على الاجراءات ليرفضها.

لقد كان لبنان كطفل اخذته عمته في نزهة على حد وصف وزير الخارجية اللبناني حينها ايلي

سالم ، ويتابع : "لقد كان علينا ان لا نثق بعمتنا ، لقد تعلمت بان القوى العظمى غالبا ما تكون

اقل شرفا ونزاهة من القوى الصغرى"..

لقد كان قدر لبنان الضعيف ان يستسلم ويوقع اتفاقية 17 ايار 1983 رغم ما فيها من تقييد

واعتداء على السيادة ، واذا تجاهلنا الشق العسكري الامني من الاتفاقية وما نصت عليه من

انهاء حال الحرب ، فقد ارغمت لبنان على تحريم كل مظهر من مظاهر العداء لاسرائيل على

ارضه، حتى ولو كان مجرد الدعاية الاعلامية ، ومنعت مرور اي معدات او اسلحة عبر الاراضي

والاجواء اللبنانية الى اي دولة لا تقيم علاقات ديبلوماسية مع اسرائيل ، وكذلك تلزم لبنان على

الانسحاب او الغاء اي معاهدات او قوانين تتعارض مع هذه الاتفاقية ، لقد كانت اسرائيل بذلك

اشبه باللص على حد وصف وزير الخارجية ايلي سالم " يرغمك على تفريغ محفظتك ثم يتوقف

ليعبث بالمنديل الذي يزين صدرك".

لقد مارست سوريا فيما بعد حركة اللص هذه ايضا فيما بعد بالاتفاقيات التي الزمت لبنان بها .

لقد بدت الاتفاقية اشبه بفخ نصب للعرب جميعا ، وتركت اسرائيل لنفسها نفض اليد ، والقائها

في سلة المهملات ، لقد تم تجهيز المسرح ، وعلى خشبته سيتصارع السوريون مع اللبنانيين

والفلسطينيين حينا من الدهر ، لقد ولد الاتفاق ميتا ، كان بمثابة اطلاق النار على اقدام العرب ،

وعليهم ان يتراقصوا من الالم .

غير ان اسرائيل لم تكن بمنجاة من الالم ، كانت المقاومة الاسلامية " قوات الفجر التابعة

للجماعة الاسلامية ، تلهب ظهر الاسرائيليين في صيدا ، ثم تبعتها تشكيلات مختلفة من

المقاومين اللبنانيين.

في هذا الوقت ، كانت العلاقة بين الاسد وعرفات في اقصى درجات توترها ، كان عرفات يحاول

المستحيل لتاكيد القرار الفلسطيني المستقل ، وكان هدف الاسد ان يحمل وحيدا مفتاح

القضية الفلسطينية ، وزاد من اتساع الهوة بين الرجلين ذلك الخصام الطويل بين الرجلين منذ

سنة1966 يوم سجن الاسد عرفات ، لتصل الى القطيعة سنة 1982.

فحين حان موعد جلاء عرفات عن بيروت ، كانت رغبة الاسد ان يرحل الى دمشق ، غير ان عرفات

لم يفعل ، بل عمد الى استقراء سبل السلام متعاونا في ذلك مع الملك حسين ، بعيدا تماما

عن الاسد وضغوطاته ، الامر الذي لم يستسغه الاسد ، وكان رده قاسيا تماما ، فقد دعم

المنشقين عن عرفات فيما سمي حركة فتح الانتفاضة (بقيادة ابو موسى وابو صالح) ،

وخاضت سوريا معركتها ضد عرفات من خلال الرجلين ، وانتصرت عليه.

لم تكد تمضي سنة 1983 حتى كانت اسرائيل تكرر انسحاباتها من المناطق المحتلة شمال نهر

الليطاني ، تحت ضربات المقاومة اللبنانية ، وكذلك نالت القوات الدولية في بيروت نصيبها ،

الامر الذي ادى في النهاية الى انسحابها في الاشهر الاولى من سنة 1984، لقد تركوا لبنان

للاسد وحلفائه ، وظل البقاع والشمال في ايدي السوريين بشكل محكم ، والشوف تحت

سيطرة الدروز ، بينما الشيعة يطاردون الاسرائيليين جنوبا ، وقدم الرئيس اللبناني امين الجميل

في نهاية المطاف اوراق اعتماده بين يدي الاسد .

غير ان ما يستحق التوقف هو ان مجريات الاحداث خلال سنتي1982 و1983 اثبتت ان اسرائيل

قد اخفقت تماما في تحقيق المزيد من احلامها باستخدام القوة العسكرية ، في ظل حكومة

طالما مارست التطرف الصهيوني بكل اشكاله ، لقد ادركت اسرائيل ان القوة لن تمنحها بعد اليوم

اي من اشكال الامان رغم كل اشكال الدعم السياسي الاميركي ، لقد بلغت اسرائيل القمة ،

وبدا على قادتها القلق على مستقبل اسرائيل ، لقد اختبرت اسرائيل نفسها في لبنان ، وكان

عليها ان تعمد الى تحليل النتائج والاستفادة من الدروس المعطاة.

واحدة من تلك الدروس المستفادة ، ان تدرك اسرائيل اهمية استمرار النظام السوري لامن

اسرائيل القومي ، هذا ما دأبت اسرائيل على تاكيده للحليف الاميركي كلما احتاج الامر ذلك ،

وهذا ما بدا وكان النظام السوري يستثمره الان حين عمد الشعب السوري الى هز كرسي

النظام بقوة .

» سوريا....نهاية مرحلة (الحلقة الحادية عشر)
» سوريا ...نهاية مرحلة (الحلقة التاسعة).
» سوريا ...نهاية مرحلة (الحلقة الثامنة ).
» سوريا ...نهاية مرحلة (الحلقة السابعة ).
» سوريا ...نهاية مرحلة (الحلقة السادسة ).