سوريا ...نهاية مرحلة (الحلقة التاسعة).

الحلقة التاسعة

كان لبنان وما زال ساحة اختبار القوى الاقليمية والدولية ، ساعد في ذلك نظامه الطائفي

الهش واحتمال استقواء الطوائف بعضها على بعض بالقوى الاقليمية وغيرها كلما

سنحت الفرصة ، وكانت اسرائيل الاقدر على اعادة خلط الاوراق كلما اقتضت

مصلحتها ذلك ، وقد حانت لها الفرصة عقب اعلانها ضم الجولان والرد السوري

المتخاذل حيال ذلك ، وخروج سوريا من أزمتها الداخلية ضعيفة مهلهلة ،

غير ان ثقة الاسد باستمرار الدور المناط بسوريا في لبنان اعمى بصيرته ،

وانحصر همه الاساس بتامين نظامه ، ولو كان الثمن المزيد من التنازلات والخسائر .

وهكذا في 6 حزيران 1982 اجتاحت القوات الاسرائيلية البرية والبحرية والجوية

الاراضي اللبنانية شارك فيها 76000 رجل و1250 دبابة و1500 ناقلة جند مدرعة ،

وكانت الاهداف الاسرائيلية ترمي الى تهيئة الارضية المناسبة لترتيبات اخرى تفرض

سلاما ملزما على المزيد من الانظمة العربية ، وخاصة بعد ان خرجت مصر من حلبة

الصراع ، وهذا يتطلب في الذهنية الاسرائيلية ، الدفع بمنظمة التحرير خارج الاراضي

اللبنانية ، وتحطيم بنيتها العسكرية تماما تمهيدا لاستسلامها سياسيا ، والاتيان

بحكومة لبنانية جاهزة لتوقيع السلام مع اسرائيل ، وانتزاع الملف اللبناني من ايدي

السوريين مع ما يعنيه ذلك من رغبة اسرائيلية في تعديل التفاهمات السابقة

بشان الدور السوري على الساحة اللبنانية ، والضغط على المصالح السورية

وصولا الى معادلة السلام مقابل امن النظام ، بدلا من معادلة السلام مقابل

الارض التي ابتدأ السوريون يلوحون بها كشعار للمفاوضات ، كان "بيغن" يامل

بتغيير الخريطة السياسية للمنطقة.

ومع ذلك تجاهل الاسد كل ذلك ، لقد اقنعه تصريح رئيس الاركان الاسرائيلي

" ايتان " والمؤكد اميركيا حين قال : " اننا نبذل كل جهد ممكن لتجنب المواجهة مع

السوريين ، ان مشكلتنا مع الارهابيين " .

ثم اتبع "بيغن" ذلك بتصريح في الكنيست الاسرائيلي في اليوم ذاته :

" اننا لا نريد حربا مع سوريا ، ومن هذه المنصة ادعو الرئيس الاسد الى ان يامر

الجيش السوري بان لا يهاجم الجنود الاسرائيليين ، وفي هذه الحالة لن يلحق

بالسوريين اي اذى على الاطلاق .....الخ"

كان الاسد يوقن تماما انها خدعة ، وخاصة انه في الوقت الذي كان يلقي بيغن

خطابه ، كانت المدرعات الاسرائيلية تشق طريقها الى جبال الشوف لتطويق

المواقع السورية في جزين .

كان هم الاسد ان لا تلزمه اسرائيل على خوض المعركة ، وهذا ما اعترف به الاسد

فيما بعد في مقابلة اجريت معه بتاريخ 18/3/1988 قال:

كانت فكرتنا ان الاسرائيليين سيهاجمون على الساحل صعودا نحو صيدا ،

ويتركون لنا القطاعين الاوسط والشرقي "

غير ان اسرائيل اجبرت الاسد على النزال وحشرته تماما في الزاوية ، ومع ذلك

فشلت اسرائيل في تحقيق اهدافها ، لقد حال دون ذلك الخلافات المستمرة

داخل الكنيست حول اهداف اسرائيل ومفهوم السلام ، لم تكن الامور قد نضجت

تماما ، يضاف الى ذلك عدم الرضى الاميركي الكامل ، (صورة عن مآل الامور فيما

لو استهدف العرب تقاطع المصالح الاميركية الاسرائيلية ) ، لقد كان ذلك في النهاية

لصالح سوريا.

وهكذا ؛ يظهر النظام السوري مرة أخرى عبقرية مميزة :

" ما دام الاسد قد بقي في لبنان ، فان نصر اسرائيل لم يكتمل ، وبالتالي كسبنا المعركة " ..

تم ذلك في الوقت الذي كان الجيش السوري ينسحب من بيروت في حال انكسار ،

وعلى طريقه يقف جنرالات الجيش الاسرائيلي يراقبون الموقف .

غير ان ما كسبه الاسد على وجه الحقيقة كان في قدرته على تحويل الهزائم لصالحه

مهما كان الثمن فادحا ، ومهما كانت التنازلات كبيرة وجريئة ، لقد اتقن لعب دور

المقاول من الباطن في اطار القدرة على حماية المصالح المتبادلة ، وهكذا افضت

المفاوضات المدفوعة الثمن من دماء السوريين واللبنانيين والفلسطينيين واموالهم

وجهدهم الى بقاء سوريا في لبنان ، مرة اخرى بتفويض اميركي وغض الطرف

من قبل اسرائيل ، وان كانت المساحة المتاحة اقل ، غير ان سوريا ستحاول فيما

بعد تصحيح الخلل الذي انتهت اليه الحرب ،هذه المرة عبر حلفائها الشيعة بشكل

خاص والدعم الايراني .

مرة اخرى كشفت الحرب والتي اعتبرها الاسد الاشد مرارة ، الى زيف الايديولوجيا

التي طالما تغنى بها النظام ورفع راياتها في وحدة الامة والهدف والمصير ،

كما اثبتت ان جلَّ هم النظام في تأمين الحصانة الدولية لاستمراره .

في اطار تصحيح ما راته سوريا خلللا ، عمدت عقب وقف اطلاق النار الى اعادة

ترتيب اوراقها على الساحة اللبنانية ، مستعينة بحلفائها الفلسطينيين واللبنانيين ،

وخاصة الشيعة منهم ، هؤلاء ايضا كانت ايران تستهدفهم في تصدير ثورتها ،

مرة اخرى تلجأ سوريا الى استثمار المصالح المشتركة مع ايران ،

وهكذا عبر الفان من المتطوعين الايرانيين الحدود اللبنانية ليحطوا رحالهم في بعلبك

، ولكن تحت رقابة العين السورية الساهرة .

» سوريا....نهاية مرحلة (الحلقة الحادية عشر)
» سوريا....نهاية مرحلة (الحلقة العاشرة)
» سوريا ...نهاية مرحلة (الحلقة الثامنة ).
» سوريا ...نهاية مرحلة (الحلقة السابعة ).
» سوريا ...نهاية مرحلة (الحلقة السادسة ).