حقيقة التمكين (مدارج الصالحين )

حقيقة التمكين
********

انشغل الاعلام المصري (الفلولي) منذ تولى مرسي رئاسة جمهورية مصر

العربية ، في اثارة مسألة التمكين ، باعتبارها الهدف الابرز لاسلاميي مصر ،

وفبرك معها اشاعة أخونة الدولة ، واتبع ذلك بحملة مركزة من الاراجيف

والافلام المفبركة وغيرها ، لتشويه صورة الاسلاميين في ضمائر المصريين ،

وحشدهم في مواجهة الاخوان تحديدا ، لمنع استبدال الحزب الوطني

بحزب آخر بزعمهم ، يحمل اليهم الاستبداد الديني الى جانب الاستبداد

السياسي .

فما هي حقيقة التمكين في فهم الاسلاميين عموما وجماعة الاخوان خاصة ؟.

فلتمكين لغة ؛ التثبيت ، واستعير للدلالة على السيطرة والتحكم .

والتمكين اصطلاحا ؛ مظهر من مظاهر الفعل الالهي المطلق الذي يتيح

للفعل الانساني تحقيق غاياته .

وبالمفهوم الشرعي ، ينضبط هذا الفعل تكوينا بالتزام السنن الالهية

الكونية ، وتكليفا بالتزام قيم الوحي الالهي وقواعده .

والتمكين مفهوم قرآني له دلالاته ، وله مضامينه التي تجعله شاملا

ونافعا للناس على اختلاف عقائدهم ، وله غاية ينتهي اليها ، تتمثل

في اقامة دين الله في الارض .

- ودلالات التمكين في القرآن الكريم له مفاهيم متعددة :

ففي الاية (10-الاعراف) نجد مفهوما عاما يشمل البشر جميعهم ، يتناول

تسخير الارض للانسان " (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ)،

وكذلك الآية (6-الانعام)(أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ )،
في اشارة الى التمكين في القوة والقدرات المادية .

ونجد مفهوما يشير الى اقامة الدين وهو المقصد الاهم بالتمكين،نجده

في الاية (41-الحج)

" ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونـهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور).

ونجد اشارة الى التمكين في السلطة والحكم ،نتلوه في الاية (56- يوسف)

( وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).

ودلالة اخرى الى الريادة والامامة والولاية ، في اطار مفهوم الشامل للاستخلاف
في الارض ، نجده في الاية (55-النور)

(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).

ونجد دلالة على الملك العظيم كما في التمكين لذي القرنين ، نتلوها
في سورة (الكهف -84)
(ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكراً، إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سبباً).

وفهم التمكين لدى الاسلاميين ، ينتظم في اطار المفهوم الشرعي للتمكين

، الذي يجعل مقصده اقامة دين الله في الارض ، ويرفض مفهوم التمكين للافراد

بصفتهم ابطالا وثوريين او متميزين ، فالتمكين للافراد انقضى زمانه بانقطاع

الوحي بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبالتالي لا يتصور ابدا اتاحة

الفرصة لاي نوع من الديكتاتوريات الفردية ، كما يرفض التمكين لنظام لا

يستند في مرجعيته الدستورية والقانونية لقواعد الدين الاسلامي بمرجعيتيه

الاساسيتين ، كتاب الله وسنة رسوله ، ولا تنتظم احكامه في اطار مقاصد

الشريعة وضوابطها .

ومسالة التمكين في فهم الاسلاميين لها ، وفي الوسط منهم جماعة الاخوان

المسلمين ، لا يختص بجماعة بعينها ، ولا حزبا بعينه ، انما واجب شرعي ،

منوط بالامة تحقيقه ، وكما انه ليس مقصورا تحقيقه على جماعة بعينها ،

فكذلك لا يصح ان ينحصر اداء مهماته بعد تحقيقه بجماعة معينة ، مهما بلغ

امر قوتها وعظمتها ، لانه امر منوط ايضا بالامة ، ويتولاه الاكفأ والاقدر على

صيانة اهدافه ومضامينه ، وليس مجرد اكثرية برلمانية منتخبة ، الامر الذي

يعني تكافل الامة وتضامنها في صيانة مصالحها وديمومتها .

والمتأمل في الآية 55 من سورة النور وما تحمله من دلالات ، تؤكد على وعد

الله الحاسم بالتمكين ، ولكن للمسالة شروطا مطلقة ، بعضها ذاتي

الدلالة كشرط الايمان ، واخرى موضوعية عملية في اشارة الى العمل الصالح

ويجب ان يتحقق الشرطان معا

((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).

والوعد بالتمكين ، يليه وعد بالتغيير ، تغييربنيوي شامل ، أمن اجتماعي

وسياسي واقتصادي وحضاري ، يكفل للناس الطمأنينة والراحة

فالحرية والشورى والعدل والمساواة شروط لتحقيق البعد السياسى للتمكين

والتنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية شروط لتحقيق البعد الاقتصادي للتمكين

والتكاتف والتعاضد والتعاون شرط لتحقيق البعد الاجتماعي للتمكين

والتجديد والاصاله والمعاصرة شروط لتحقيق البعد الحضاري للتمكين .

واذا كان الهدف الاساسي من التمكين يتمثل في اقامة حكم الله في الارض

، وحيث ان التمكين يتولاه افراد، يمارسون عملا سياسيا ببعد ديني ، والبعد

السياسي بمفهومه الشرعي واحد من ادوات التمكين ،

وبما انه يستقيم حال العباد باستقامالممارسة السياسية ، ويساهم بذلك

في تحقيق مقاصد الشريعة ، وبالتالي؛ فانه لا يمكن فصل السياسه عن

الدين باي حال ، وعليه فان كل دعاوى فصل الدين عن السياسة ساقطة ،

ومشبوه ، ويجب مقاومته ، وهذا امر متفق عليه بين الاسلاميين .

ا

» الى أمي (مدارج الصالحين)
» سر السعادة (مدارج الصالحين )
» في لطف المزاح (مدارج الصالحين )
» خوف ورجاء (مدارج الصالحين )
» الحِلم (مدارج الصالحين)