سوريا ...نهاية مرحلة (الحلقة السادسة ).

سوريا......نهاية مرحلة (الحلقة السادسة)

كان الدخول السوري الى لبنان داميا ، وادى الى تغيير مسار الاحداث ، ومكن المسيحيين من

التحول الى الهجوم بدلا من الدفاع ، ونتيجة لهذا التحول استطاعت المليشيات المسيحية

من تدمير مخيم تل الزعتر ، وارتكاب الفظائع بحق اللاجئين الفلسطينيين ، وانتهكت الحرمات ،

وذُبِحَ اكثر من ثلاث الاف مدني فلسطيني ، ستتكرر المأساة مرة اخرى على يد الميليشيات

المسيحية ، بحق مخيمي صبرا وشاتيلا سنة 1982 بايعاز من ايرييل شارون ، ومن ثم على

يدي الميليشيات الشيعية المتحالفة مع النظام السوري ما بين سنتي 1986 و1987 ،

ناهيك عن معارك التصفية والتطهيروالانفصال بين التنظيمات الفلسطينية التي كانت تجري

داخل المخيمات والاحياء السكنية في بيروت الغربية وطرابلس ، لتامين السيطرة السورية

على القرار الفلسطيني ، والامساك تماما بالورقة الفلسطينية .

كان لسوريا في لبنان ما يربو عن الثلاثين الف جندي ، ومع مرور الوقت انغمس الكثير من قادة

هذا الجيش في الفساد الاخلاقي والمادي ، وانتعشت تجارة التهريب ، ونشات اسواق

مزدهرة على طول الحدود اللبنانية السورية استمرت لفترات طويلة ، يضاف الى ذلك فرض

الخوات باشكال مختلفة وبوسائل ملتوية على كبار التجار ، (مثال ذلك دعوة التجار لافطار

والطلب اليهم التبرع لصالح جمعية تتغطى بلبوس ديني ...جمعية المشاريع/الاحباش) ،

ثم الانغماس في تجارة المناصب السياسية (تنظيم لوائح نيابية مدعومة ، يتشاركها متمولون

دفعوا مسبقا ثمن فوزهم )...

اورد مثالا بسيطا ، فقد انشأت خلال فترة الثمانينات مؤسسة تجارية صغيرة ، لم تدم لاكثر

من ستة اشهر ، لم يكن بالامكان تجاوز اي من الحواجز الكثيرة المنتشرة على الطرق

دون ان تاخذ في الاعتبار الحصة الملزمة ....كان من المستحيل حتى المحافظة على

راسمالك...

ثلاثون عاما لم ينعم اللبنانيون فيها بالسلام ابدا ، تحول لبنان الى ساحة اختبار ، ولم يزل

حتى يومنا هذا ، وزاد الوجود السوري من تأزم الاوضاع ، كانت الساحة اللبنانية مناسبة

تماما لصراع الانظمة ، واثبات الوجود ، ولم تنج منطقة لبنانية ابدا من ويلات ذاك الصراع ،

ولم تنج عائلة لبنانية واحدة من ان تدفع ثمن ذلك ، قرى هدمت باكملها ، ولم تنج بلدتي

من الدمار ، لقد دمرتها المليشيات المسيحية يوم دخل السوريون الاراضي اللبنانية كنتيجة

للتحولات القائمة ، وابشع تلك الوسائل المستخدمة ، العبوات المتفجرة التي كانت تزرع هنا

وهناك ، لتحصد الابرياء والآمنين ، لقد اصبت انا شخصيا مرتين بتلك الانفجارات التي طالما

هزت مدينة طرابلس .

لقد كانت طرابلس ساحة مناسبة جدا وما زالت ، لتوجيه الرسائل السياسية عبر فوهات

البنادق ، ساعد في الامر ، ذلك الجيب (النصيري) القابع على تلة شمال طرابلس ،

والذي يدين بطبيعة الحال بالولاء للنظام السوري باجنحته المختلفة ، والمدجج بكل انواع

السلاح ، والمحمي بفعل الاتفاقات اللبنانية السورية ، والتي فرضتها سوريا لصالحها بحكم

الامر الواقع ، هذه الاتفاقيات في جزء منها تلزم مثلا الحكومة اللبنانية بتسليم الفارين من

سوريا هربا من الموت المحتم ، بما يخالف كل القوانين والاعراف الدولية ، الامر الذي هو الان

محل اعتراض من فآت كثيرة من اللبنانيين .

لقد كان الحصاد السني في لبنان نتجة الوجود السوري الاكثر مرارة ، لطالما شعر السنة

في لبنان انهم مستهدفون بزعمائهم وبوحدتهم ، لقد تم اغتيال المفتي حسن خالد ، ثم

الشيخ الصالح رئيس المحاكم السنية ، ورجال اعلام ورجال سياسة ، ثم اغتيل رئيس الحكومة

رشيد كرامي ومن بعده الرئيس رفيق الحريري ، واقتيد الكثير الى السجون واخذ الناس

بالشبهة ، ونال طرابلس ما لم تنله اي منطقة اخرى ، لقد عشنا اياما همجية ، طوقت

المدينة تماما ، وقصفت ليل نهار لمدة شهر كامل ، ساهم الشيوعيون والقوميون والبعثيون ،

وكل من هب ودب من الموالين للنظام السوري في قصف المدينة ، وسقط المآت من الشهداء ،

والالاف من الجرحى ، وصمدت المدينة الباسلة ، وأُسقط في ايديهم ، فجنحوا الى وسائل

المكر والمخادعة ، تحت مسمى الوساطة الايرانية ، كان ثمة صفقة تجري في مكان ما ،

كان امن طرابلس جزءا من المساومة ، ومن ورائه امن لبنان كله.

لقد اضحت طرابلس رهينة المصالح السورية ، من خلال الجيب القابع فوق التبانة ،

وبات على هذا الحي المعدم ، والاكثر فقرا في لبنان ربما ، والاكثر اكتظاظا ، ان يدفع الثمن ،

وما زال شارع سوريا والمناطق المواجهة للجبل ، شاهدة على العنف الاعمى ، والجنون

المحموم ، لقد كان الثمن فادحا ، لقد طرق الحزن والالم باب كل بيت هناك ، والى اليوم يأبى

ان يغادر ، اكثر من الف ومائتي شهيد ، يحمل كل منهم بين كتفيه توقيع النظام السوري .

لم يكن الاسد ليشعر بالامان ، عند دخوله الاراضي اللبنانية ، كانت طاولته ملئى بالتقارير

تحمل اليه مشاعر السخط والنقمة ، فشعر بالحاجة الى المزيد من القوة حوله ، فانشأ

الحرس الجمهوري ، محولا اياله الى قوة ضاربة برئاسة عدنان مخلوف (علوي).، وعزز سرايا

الدفاع بقيادة اخيه رفعت الاسد ، غير ان التوتر الداخلي كان يزداد مع شعور السوريين

بهيمنة العلويين الغير مبررة على الدولة بمفاصلها الاساسية ، وظهرت على هؤلاء

المحظوظين علامات الثراء ، وظهرت طبقة برجوازية جديدة ، وكثر الحديث عن الفساد والاثراء

غير المشروع وتحويل التمويل العربي الى الجيوب من خلال صفقات الاسلحة والمشاريع ،

لقد راحت هذه التوترات تعبر عغن نفسها من خلال عمليات هنا وهناك ، استهدفت

مكامن القوة في النظام ، كالضباط وكبار الموظفين الحكوميين ومعظمهم علويون ،

لقد شعر السوريون ان الحزب قد تخلى تماما عن مبادئه ، واصبح مجرد غطاء للطغمة

العلوية الحاكمة المتنفذة ليس الا.......

» سوريا....نهاية مرحلة (الحلقة الحادية عشر)
» سوريا....نهاية مرحلة (الحلقة العاشرة)
» سوريا ...نهاية مرحلة (الحلقة التاسعة).
» سوريا ...نهاية مرحلة (الحلقة الثامنة ).
» سوريا ...نهاية مرحلة (الحلقة السابعة ).