سوريا......نهاية مرحلة (الحلقة الخامسة)

سوريا .....نهاية مرحلة(الحلقة الخامسة)

خلا الحكم للاسد تماما ، فعمد الى تثبيت دعائم حكمه ، وراح يجوب المناطق السورية

ويلتقي بالناس ويستمع للشكاوى ، كما قام بتكريم سلطان باشا الاطرش ،

وكان لا يزال حيا ، كما عمد الى اعادة احياء اتحاد الكتاب ، متوجها االيهم برسالة جاء فيها

" انني مصمم على ان لا تشعروا بالغربة في وطنكم بعد الان "،

كما عمد الى تخفيض اسعار المواد الغذائية بنسبة 15% ،ورفع بعض القيود التجارية وغيرها.

الا ان الاسد لم يتخل عن حذره المعروف ، فراح يستعمل سياسة العصا والجزرة

تجاه مخالفيه ، رفاقه السابقين في حزب البعث ، واطلق سراح بعضهم ممن اعتقلوا سابقا ،

والكثير منهم انضم فعلا الى مسيرة الاسد .

وكما فعل صلاح جديد من قبل ، باختيار واجهة سنية (الاتاسي) ، فقد اسند لنفسه

مركز رئيس الوزراء ، واختار احمد الخطيب(السني) رئيسا للدولة ،

الا ان ذلك لم يكن ليرضي طموح الاسد ،غير ان كونه علويا كانت مشكلة حقيقية ،

كان عليه تخطيها .

ففي 31/1/1973 تم نشر دستور سوريا الجديد ، المكون من 156 مادة ،

وبخلاف الدساتير السابقة ، فقد تم حذف المادة التي تشترط ان يكون رئيس الجمهورية

مسلما ، فثارت الاحتجاجات في انحاء سوريا ، وكما هي العادة " حماة " اول الثائرين ،

وامام الضغط الشعبي اعيدت المادة الى الدستور ، وبقيت المشكلة التي يحاول الاسد

تجاوزها قائما ، اذ ان العلويين (الاصح النصيريون ) لم يعترف باسلامهم من قبل ،

سواء من السنة او حتى الشيعة.

ولحل المعضلة ، لجأ الاسد الى الامام الشيعي موسى الصدر ، رئيس المجلس الشيعي

الاعلى في لبنان ، الذي اصدر ولاول مرة في تاريخ الشيعة فتوى بان العلويين حقا طائفة

من المسلمين الشيعة ، واعلن ذلك من مدينة طرابلس بمناسبة افتتاح اول مسجد

للعلويين هناك.

لم يلتفت الاسد الى المعارضة السورية التي طالبت باعلان الاسلام دين الدولة ،

بل عمد الى اجراء استفتاء شعبي على الدستور ، ذلك الاستفتاء كغيره

لم يلق المصداقية ، بقدر ما فرض كامر واقع ، وهكذا حلت مشكلة الاسد في تولي رئاسة

الجمهورية كمسلم لا يُشك باسلامه ، كانت مسالة تبادل مصالح بين الاسد وشيعة لبنان ،

ما زال اللبنانيون الى اليوم يعانون من وطأة تشابك مصالح شيعة لبنان والنظام السوري .

ولتثبيت سلطته ، عمد الاسد الى تشكيل القيادة القطرية للحزب من واحد وعشرين عضوا ،

كانت هي المجموعة الوحيدة التي اعتمدها الاسد حتى نهاية حكمه ، كما عمد الى اعادة

تشكيل المنظمات الشعبية تحت السيطرة التامة للحزب ، واتبع ذلك بتشكيل الجبهة الوطنية

التقدمية ، المكونة من عدة احزاب تعمل بقيادة حزب البعث ، وضمت ابتداء : الحزب الشيوعي ،

وبقايا الناصريين ، وبقايا جماعة الحوراني ، وبعثيين سابقين ، هذه الجبهة منعت من ممارسة اي

نشاط سياسي داخل الجيش او الطلاب ، الا ان الشيوعيين والناصريين ما لبثوا ان انشقوا عن

الجبهة ؛ كانت الجبهة مجرد ديكور في اطار عمل مسرحي مبرمج .

كما شرع الاسد الى وضع الادارات المحلية والمحافظات تحت المراقبة الدائمة ،

عبر امين فرع الحزب ، واعضاء الفرع المحليين ، لقد بات الحزب جهاز حراسة على الاجهزة

الادارية المحلية ، دون ان ننسى الرقابة العلوية المباشرة عبر مركز مدير الامن السياسي ،

وكان هؤلاء يرتبطون بالاسد مباشرة عبر تسلسل اداري مرسوم ، وكانوا يختارون من ضباط

الجيش العلويين من رتبة عقيد ، لقد كان هؤلاء مسؤولون تماما عن امن النظام واستمراره.

كان الاسد مستمع جيد ، وكثيرا ما يعمد الى استشارة مساعديه ، ويتابع التفاصيل ، ويعمل

لفترات طويلة ، الا انه كان شديد الحذر ، وكان وحده صاحب القرار، وكان حكمه شخصيا ، رغم كل

تلك الاشكال الادارية المركبة والمفروضة على الشعب ، حتى داخل الجيش ظل وحده يمسك

بكل الخيوط ، بما احدثه من توازنات بين قادة الجيش المتنافسين وبما قدمه لهم من منح

وامتيازات مالية وغيرها ،وكذلك فعل مع قيادات قوى الامن والمخابرات .

خاضت سوريا الاسد حرب تشرين 1973 ، وتكبدت فيها خسائر جسيمة ، ما يزيد عن 800 دبابة ،

وستة الاف جندي والعشرات من الطائرات ، ومزيد من الاراضي السورية ، اعقب ذلك

مفاوضات طويلة قادها الاميركيون عبر هنري كسنجر ، امتدت حتى منتصف 1975وكان عنوانها

كيفية تحقيق السلام في الشرق الاوسط ، هذه المفاوضات كشفت رؤية الحزب الحاكم بما

يتنافى تماما والاهداف المعلنة لحزب البعث .

ولنراجع بعض اقوال الاسد

"اذا رجع الاسرائليون الى حدود سنة 1967 ، واصبحت الضفة الغربية وقطاع غذة دولة

فلسطينية ، فستزول آخر عقبة في طريق التسوية النهائية"...مجلة نيوزويك الاميركية

"وفي سؤال لمندوب المجلة " ايكون ذلك معاهدة سلام مع اسرائيل؟؟

قال" نعم يمكن ذلك ، فعندما تتم تسوية كل شيء ، يجب ان يصاغ ذلك رسميا في معاهدة

سلام رسمية ، وهذه ليست دعاية ، بل اننا نعني ما نقول في جدية ووضوح ،"

ثم يعقب " ليس هذا منطقا جديدا في السياسة السورية ، انه موقفنا الاساسي الذي

اقره قادة الحزب"

لم ترجع المفاوضات الطويلة اي منفعة لسوريا ، بل بالعكس كشفت تماما ، سقف الاهداف

السياسية لسوريا ، بقدر ما كشفت هشاشة الموقف العربي من الصراع العربي الاسرائيلي ،

واستحالة تصور وحدة عربية حقيقية لمواجهة التعنت الاسرائيلي والصلف الاميركي.

ثم كان ان اندلعت احداث لبنان ، وراحت سوريا تنغمس فيها شيئا فشيئا ، دون ان تجرؤ على

دخول الارض اللبنانية ، خوفا من رد فعل اسرائيل، وبقي الامر كذلك الى ان اعطت واشنطن

سوريا الضوء الاخضر .

كان انغماس الاسد في المسالة اللبنانية ليحقق فوائد جمة لكل من اسرائيل ونظام الاسد معا ،

فاسرائيل جعلت من لبنان ساحة صراع ، والعرب جعلوه ساحة اختبار ، اسرائيل الهت سوريا وكل

العرب في المسالة اللبنانية ، وراحت تفرض سلاما مجتزأ على مصر المعزولة ، ومن بعدها مع

الاردن المهيض الجناح ، سوريا ستقوم بمهمة قهر الفلسطينيين وضبطهم ، الامر الذي كانت

تحتاجه اسرائيل ، دون التورط باي اعباء سياسية ، سوريا كانت بحاجة الى مسالة حيوية يمكن

استخدامها لتحويل انظار السوريين عما كان يجري من مفاوضات مع اسرائيل بشان السلام

المزعوم ، كما ان الاسد كا ن يدرك اهمية الامساك بالورقة الفلسطينية وخاصة بعد خروج

عرفات من الاردن ، وتخلي مصر عقب جنوحها الى المفاوضات ، كما كان يرمي الى جعل سوريا

بقيادته قوة اقليمية لا يمكن تجاهلها او تجاوزها في اي مفاوضات سلام تجري فيما بعد ، اضافة

الى رغبة الاسد في اغلاق الثغرة المفتوحة عند الخاصرة السورية ، تلك الثغرة التي اسمها

لبنان كانت ما زالت مفتوحة لكل المعارضين والمنشقين عن النظام السوري ، والى جانب ذلك

ثمة مصلحة اخرى ، تتعلق بخلق الاقتصاد الموازي في سوريا ، والقائم على تجارة الحشيش ،

والتهريب ، وتبييض الاموال وغيرها .

وهكذا اعطي الضوء الاخضر لسوريا ومن ورائه خط احمر ، على سوريا الا تتجاوزه باي حال ،

هذه التفاهمات ادارها الداهية " كيسنجر" ، الذي راح يتكلم عن الدور السوري البناءفي لبنان.

كان الفلسطينيون خلال سنتي:75/76 يمسكون بايديهم مفاتيح سيادة لبنان ،

وسلطة اتخاذ قرار الحرب والسلم ، الامر الذي شكل العقدة الجوهرية في حسم

قرار الدخول الى اتون المحرقة اللبنانية .

وهكذا في 31/5/1976 دخت القوات السورية رسميا الاراضي اللبنانية

» سوريا....نهاية مرحلة (الحلقة الحادية عشر)
» سوريا....نهاية مرحلة (الحلقة العاشرة)
» سوريا ...نهاية مرحلة (الحلقة التاسعة).
» سوريا ...نهاية مرحلة (الحلقة الثامنة ).
» سوريا ...نهاية مرحلة (الحلقة السابعة ).