سوريا .....نهاية مرحلة (الحلقة الثالثة )

سوريا.....نهاية مرحلة .(الحلقة الثالثة)

لم يك اعضاء اللجنة العسكرية على تجانس دائم في التعاطي حيال الاوضاع المستجدة ،

فقد عارض مثلا محمد عمران (اعلاهم رتبة) احكام الاعدام للضباط الناصريين ، كما

عارض اخضاع مدينة "حماه " بالقوة ، وكان ينحو دائما باتجاه اكتساب الخصم بدلا من

الضرب على الراس ، الامر الذي لم يستسيغه الضباط الآخرون ،والذي ادى في النهاية

الى عزل "عمران " داخل اللجنة ، ثم انحيازه الى جانب السياسيين (عفلق والبيطار)

وافشائه اسرار اللجنة ، فدفع الثمن نفيا الى خارج سوريا ، فتحركت اللجنة بسرعة

للتعمية والالهاء وتاكيد السيطرة ، فبدأت بتاميم اكثر من مئة شركة دفعة واحدة

وبشكل عشوائي ، ثم اعقبته بتاميم شركات توليد الطاقة وتوزيع المحروقات

وحلج الاقطان وحوالي 70% من تجارة التصدير والاستيراد ، وصودت متاجر المعارضين

لاجراءات التاميم ، ثم اتبعت ذلك بالسيطرة على الاوقاف ومنحت الحكومة نفسها
حق تعيين وعزل الائمة وخطباء المساجد.

وفي شهر آذار 1965 أقر المؤتمر القطري للحزب مبدأ كون الحكومة خاضعة للحزب ،

وان الامين القطري يجب ان يكون رأس الدولة ، واعطى القيادة القطرية حق تعيين

رئيس الحكومة والوزراء ورئيس الاركان العامة وكبار القادة العسكريين ، وبذلك تم كف

يد القيادة القومية ،واقصاء القادة التاريخيون للحزب امثال عفلق والبيطار عن اي

تدخل فيما تقرره الحكومة السورية ومن ورائها.

ردت القيادة القومية بحل القيادة القطرية واعتبارها متمردة ، وعينت حكومة بديلة على

الورق ، وانحاز الرئيس "امين الحافظ " الى القيادة القومية التي اعادت تكليفه رئيسا

لمجلس رئاسي جديد ، كما استدعوا عمران من المنفى وعينوه وزيرا للدفاع وقائدا

للقوات المسلحة ، الا ان اللجنة العسكرية لم تترك للقيادة القومية الفرصة لتثبيت

اقدامها ، فكان ردها دمويا صباح 23 شباط 1966 ، ودكت منزل الرئيس امين الحافظ

وسط دمشق وتناثرت جثث اكثر من خمسين جنديا في فناء المنزل وداخله ،

ووقعت صدامات في حماه وحلب واللاذقية ودير الزور وغيرهم ، ثم تبع القتال

فورا تطهير كامل للجيش والحزب والحكومة ، وتم فصل اكثر من اربعماية ضابط

وموظف ، واعتقل امين الحافظ ومحمد عمران اضافة الى العديد من اعضاء القيادة

القومية لحزب البعث من بينهم البيطار والاطرش وشبلي العيسمي وغيرهم ،

وترك عفلق ليغادر سوريا متنقلا من بلد الى آخر الى ان استقر به المقام في العراق .

تم تعيين حافظ الاسد في الحكومة الجديدة وزيرا للدفاع ، تلك الحكومة كانت من اكثر

الحكومات تطرفا في تاريخ سوريا ، لقد حاولت اعادة تركيب المجتمع من السقف الى القاع ،

لقد دأبت على قمع كل مخالف لها وبوحشية مفرطة وصلت الى حد القتل والاغتيال ،

وكان راس اللجنة العسكرية صلاح جديد (العلوي) هو حاكم سوريا الفعلي ولكن من

من خلال منصبه " الامين المساعد للقيادة القطرية لحزب البعث " ، فعمد الى تعيين

اتباعه واصدقائه في المراكز القيادية والوظائف الحكومية ، في الوقت الذي كان يعتمد

على " الاسد" للمحافظة على ولاء الجيش ، وعلى ثلاثة عينهم بنفسه

" نور الدين الاتاسي (سني من حمص) رئيسا للدولة ، ويوسف زعين رئيسا للحكومة

(من البوكمال) ، وابراهيم ماخوس وزيرا للخارجية (علوي) والغريب ان الثلاثة كانوا

اطباء يساريين ومن خلفيات ميسورة ومتنفذة ، كما تم تعيين عضو اللجنة العسكرية

عبد الكريم الجندي (اسماعيلي) وزيرا للاصلاح الزراعي ، ثم سُلِمَ السيطرة على

قوى الامن الداخلي.

بعد التخلص من عمران ، جاء الدور على المقدم " سليم حاطوم" عضو اللجنة العسكرية

الدرزي ، لقد شعر الرجل ان النظام الجديد مدينا له بالكامل ، لقد كانت قوات الكوماندوس

التابعة له هي التي اسقطت امين الحافظ ، ومع ذلك بقي العضو الوحيد في اللجنة

العسكرية الذي لم يحصل كغيره على الرتب العالية او المناصب ، وبقي في مهمته

التي كان عليها سابقا في حماية محطة الاذاعة والتلفزيون وغيرها من المنشآت ،

اضافة الى شعوره بالاحباط نظرا للشكوى المتداولة بين الدروز جراء استيلاء العلويين

على وظائف القمة والمناصب الكبرى واستبعاد الدروز عنها ودك بعض زعمائهم في

السجون ، ثم خطا الخطوة القاتلة عندما سعى الى اقامة لجنة عسكرية تابعة له

داخل الجيش برئاسة ضابط درزي برتبة لواء كان قائدا للجبهة السورية المواجهة

لاسرائيل ، هذه اللجنة سعت الى احداث انقلاب عسكري تم كشفه واحباطه ،

وفر بنتيجته حاطوم الى الاردن ثم عاد الى سوريا خلال حرب ال67 بخلفية وطنية

للمساهمة في الحرب ، الا ان حكم المحكمة العسكرية عاجله بالاعدام ، وكان لحافظ

الاسد دورا هاما وحساسا في احباط مؤامرة الحاطوم وفي حملة التطهير التي تلت ذلك ،

والتي طالت اكثر من اربعمائة ضابط تم فصلهم او اعتقالهم ، جلهم من ابناء الطائفة الدرزية .

وهكذا تم التخلص من مؤسس أخر للجنة العسكرية بعد عمران ، وبقي ثلاثة سيجري

التخلص من اثنان آخران فيما بعد ، لينفرد الاسد بالسطوة على مقدرات سوريا كلها

ومن خلفه العلويين ، وتحت راية مضللة اسمها " حزب البعث العربي الاشتراكي"

ان متابعتنا للاحداث لن يتوقف عند تفرد الاسد بالسطوة والقوة ، وانما الى الاساليب

التي تم فيها اعتقال سوريا شعبا وتاريخا وقيما وحضارة ، لقد تم اطلاق بالون اختبار

حقيقي يوم 25 نيسان 1967 عندما نشرت مجلة الشعب مقالا يسخر من الدين

ويعتبر الله سبحانه وتعالى عما يشركون " دمية محنطة في متحف التاريخ " والعياذ بالله.

خرج يومها اكبر علماء سوريا ، الشيخ حسن حبنكة على رأس مظاهرة جابت شوارع

دمشق ضمت ما يزيد على العشرين الف متظاهر ، فالقي القبض على الشيخ

وصودرت املاك اصحاب المحلات التي اقفلت احتجاجا ، ولم يهدأ الشارع ،

حتى اعتقل كاتب المقال.

وهكذا ؛ دخلت سوريا حرب حزيران بقيادة هذه الحكومة ، وبجيش انهكته السياسة والتطهير ،

لقد خسر الجيش اكفأ ضباطه ، وقادته الجدد ضباط من متوسطي الرتبه ، تم رفعها الى رتب

عالية بين عشية وضحاها ، دون اعداد او خبرة او تاهيل ، وفوق كل ذلك اعتداء على الذات

الالهية ، وظلم وقهر واستبداد ، فمن اين كان لسوريا ان تنتصر ؟...

» سوريا....نهاية مرحلة (الحلقة الحادية عشر)
» سوريا....نهاية مرحلة (الحلقة العاشرة)
» سوريا ...نهاية مرحلة (الحلقة التاسعة).
» سوريا ...نهاية مرحلة (الحلقة الثامنة ).
» سوريا ...نهاية مرحلة (الحلقة السابعة ).