سوريا .....نهاية مرحلة (الحلقةالثانية)

سوريا...نهايةمرحلة(الحلقة الثانية)

ساعرج بداية لتوضيح افكار حزب البعث ، تلك الافكار التي الهبت خيال جيل كامل .

كان لب النظرية التي صاغها ميشال عفلق تقول

" ان العرب لديهم سبب للشعور بالفخر والاعتزاز ما داموا ينحدرون من سلالة جنس عريق قدم اسهامات مجيدة عديدة لتاريخ البشرية والحضارة الانسانية .

واعلن عفلق ان الامة العربية قديمة وازلية وفذة تمتد بعيدا في غياهب ضباب الزمن ،
والى الامام متطلعة نحو مستقبل مامول ، ولكن الاعتزاز بهذا التراث ليس كافيا ،
ذلك ان انقاذ العرب من التخلف والسيطرة الاجنبية كان يتطلب الايمان بامتهم وحبا لها بلا حدود .

وللتعبير عن التاريخ العربي صاغ المؤسس شعار الحزب الشهير
" أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة" ،

واعلن دليل عمل مؤلف من ثلاث كلمات هي.. " وحدة، حرية ، اشتراكية " ،

وفي اطار محاولته التوفيق ما بين العروبة والاسلام ، فقد ارتأى على ان الاسلام يجب
النظر اليه على انه اسمى تعبير عن العروبة ، وان أحدهما تولد من الآخر فلا تناقض بينهما ،
وان الاسلام كان من بدايته الاولى ، دينا عربيا نزل بقرآن عربي ، ويلبي حاجات عربية ،
وجاء مجسدا للقيم العربية ، وان الاسلام كان ثمرة العبقرية العربية اكثر منه وحيا من
عند الله .

(جاء ذلك في محاضرة القاها عفلق بجامعة دمشق سنة 1943 بمناسبة ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم

هذه الشعارات ، وتلك الرؤيا وفي ظل الظروف التي سبق واوضحناها (الحلقة السابقة)
والبلد محتل ، كان لها مفعول السحر لدى فآت كثيرة من الشباب السوري ، وعلى وجه الخصوص الاقليات وابناء الريف الموزعين على حمسة الاف وخمسماية قرية بنيت معظم
بيوتها من الطين ، بلا ماء ولا كهرباء او طرقات معبدة ، يشكل سكانها اكثر من 65% من
الشعب السوري آنذاك يعملون في الزراعة ، فلاحون مهانون ، الامر الذي استغله
الحزبيون بمختلف انتمائاتهم وفي مقدمهم حزب البعث بتحريض الفقراء في مواجهة
الاقطاع ،والوعد بمستقبل زاهر ، فكان الانتساب الى الحزب كبيرا بطول البلاد وعرضها .

شهد منتصف القرن العشرين صراعا شديدا على السلطة في سوريا ، وبرز في شكل
انقلابات حرك العديد منها ابن حماه الثائر وعدوها " اكرم الحوراني ".

وكان الحوراني عامل التغيير والقابلة التي ولدت على يديها سوريا الجديدة ،
لقد اثار الفلاحين ، وسيس الجيش ، وقدم للبعث الوزن السياسي الراجح .

في بداية الستينات ، اصبحت مختلف المناصب والمهن بيد الحزبيين ، وكذلك الجيش ،
وخاصة بين حزبي القومي السوري والبعث ، وبطبيعة الحال خاضا صراعا خطيرا لم يستثن الجيش ، بل ابتدأت حلقة الموت داخل الجيش نفسه ، بمقتل العقيد البعثي عدنان المالكي رافقتها حملة تطهير شاملة وعنيفة انتهت لصالح حزب البعث ، ومن تصفح سجلات تلك المرحلة سيدهش حين يجد للعلويين ضلعا في مقتل المالكي ، وان ابرز الفارين
من القمع كان "الشاعر والوزير بدوي الجبل ، اول علوي يحتل منصبا وزاريا في سوريا
وكان قوميا سوريا".

ثم كانت الوحدة المصرية السورية ، والتي لم تعمر اكثر من ثلاث سنوات ونصف ، حاول خلالها عبد الناصر حل الاحزاب في سوريا ، وقام بحملة تطهير ضد معارضيه وخاصة داخل القوات المسلحة ، واستطاع تطهيره من الشيوعيين ، هذا الامر بالذات كان فيما بعد في مصلحة حزب البعث . كما كان الضغط الذي مارسه عبد الناصر لحل حزب البعث ايضا في صالح العلويين من ابناء الحزب ، لقد بدأوا كتابة قصتهم في حكم سوريا من على ضفاف النيل .

بدأت القصة بتاسيس اللجنة العسكرية من خمس ضباط " ثلاثة علويون ، اثنان اسماعليون ، ودرزي واحد" ، وكان النقيب حافظ الاسد واحد من الضباط الخمسة ، وكان على راسهم المقدم العلوي محمد عمران .

دعمت اللجنة بعد عودتها الى سوريا انقلاب 8 آذار 1963 ، وكافئ الانقلابيون افرادها برتب
عالية ، وقيادة الوية ، وبات حافظ الاسد القائد الحقيقي للقوة الجوية ، وعمران قائد اللواء السبعين (لواء مدرع) ، واستطاعت اللجنة ايصال " امين الحافظ " وزيرا للداخلية ، كانت اللجنة تريده في الواجهة كونه سنيا ، وتبقى هي في الخلف تحرك الخيوط وترسم المسارات.

كان الضباط الناصريون الوجه الظاهر في انقلاب 8 آذار ، وجعلت اللجنة العسكرية منهم جسرا لاعادة العبور الى داخل القوات المسلحة ، حتى اذا تاتى لها ذلك وقويت شوكتها ، انقلبت عليهم وطهرت الجيش من الموالين لهم واعدمت الكثير منهم بموجب احكام عسكرية سريعة ، ثم اقالت اكثر من خمسة وعشرين ضابطا وطنيا مستقلا (سنيا ) ملتفين حول وزير الدفاع زياد الحريري، حيث تم نفيه فيما بعد الى فرنسا .

لم يقف طموح اللجنة العسكرية عند حد تنظيف الساحة ، بل عمدوا الى ترتيب آليات القبض على حزب البعث نفسه ، وحاكوا في سبيل ذلك المؤامرات داخل الحزب ، وفي ايلول 1963، تم لهم السيطرة على مؤتمر القيادة القطرية للحزب الذي انتخب صنيعتهم الدرزي حمود الشوفي امينا قطريا ، وحافظ الاسد عضوا في القيادة القطرية المؤلفة من ثمانية اعضاء، وتم عزل عفلق والبيطار ومن معهم من قيادة الحزب (قطريا)، وكانت النتيجة بداية الظهور العلني لحافظ الاسد.

وفي سياق مشابه ، وبعد اشهر عدة ، نجحت اللجنة في اختراق المؤتمر القومي ايضا للحزب ، ذلك المؤتمر الذي تمخض عن المنطلقات النظرية لعمل الحزب وحراكه ، تلك المنطلقات اكدت على اعتبار ان تشبع الجيش بالعقيدة السياسية لا يقل اهميةعن التدريب العسكري، كما رفعت رسميا الحزب الى مكانة الحزب القائد ، كما تقرر حشد وتعبئة الجماهير في منظمات شعبية يسيطر عليها الحزب ، من العمال والفلاحين والطلبة والنساء والشبيبة وغيرها باعتبارها ادوات بناء الديموقراطية الشعبية.

ثم اوكلت اللجنة الى الاسد اعادة بناء الجيش السوري بنية عقائدية ، فانكب على خلق جهاز حزبي وخلايا حزبية داخل قطاعات الجيش وعين الاسد "زكي الارسوزي" الفيلسوف العلوي مرشدا عقائديا داخل القوات المسلحة .

لم تكن الامور على الارض بالشكل الذي يريح الحزب واللجنة العسكرية ، كانت خطب العلامة المجاهد " محمد الحامد" تحرض الناس فيما كان يعتبره الحق في مواجهة الباطل ، كما كان الملاك والتجار يعبرون عن تذمرهم من الحكم الجديد ، واستغل النظام مقتل احد افراد الحرس القومي ، لقصف مدينة حماة بالدبابات خلال شهر نيسان 1964، وقصف فيما قصف مسجد السلطان ، وانهارت ماذنته ، واستشهد الكثير بينهم حوالي سبعين شهيدا من شباب الاخوان المسلمين ، والقي القبض على الكثيرين ، وكان يوما حزينا في تاريخ مدينة حماة الباسلة.
كان الاسد كما يقول يريد افهام حماه من هو صاحب الامر والنهي".

الا ان قصف مسجد السلطان اشعل موجة من المظاهرات في المدن الرئيسية كافة ، وكان المتظاهرين يطالبون بالحريات المدنية ، واطلاق سراح المعتقلين السياسيين ، وانهاء حال الطوارىء التي اعلنت عقب انقلاب 1963، واجهت السلطة كل ذلك بتغييرات شكلية ووعودا لم تتحقق بعد.

» سوريا .....نهاية مرحلة(الحلقةالرابعة )
» سوريا .....نهاية مرحلة (الحلقة الثالثة )
» سوريا .....نهاية مرحلة (الحلقة الاولى)
» سوريا....نهاية مرحلة (الحلقة الحادية عشر)
» سوريا....نهاية مرحلة (الحلقة العاشرة)