سوريا .....نهاية مرحلة (الحلقة الاولى)

سوريا..نهاية مرحلة (الحلقة الاولى)

شهدت بلاد الشام عند نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، حالة من عدم

التوازن في شتى مناحي الحياة ، نظرا للتحولات الدراماتيكية التي هزت اركان السلطنة

العثمانية ، وتغلب الفكر القومي التركي على الموروث الاسلامي الاممي ، وما اداه الى رد

فعل مواز في شتى الاقطار التي تشكلها الدولة (الأمة) ، من انبعاث الفكر القومي بتحريض

غربي ، الامر الذي سيخدم سياسة الغرب القديمة الجديدة ، في تقطيع اوصال الامة (

سياسة فرق تسد) ، ومن ثَمَّ ، تامين واقع يزيد في الشرخ ، وبما يمثل قنابل موقوتة مزروعة

في جسد الامة ، بما يحول دون اعادة وحدتها ، تلك الوحدة التي كانت وما زالت أمل

المسلمين في كل زمان ومكان ، فكانت الغدة السرطانية على ارض فلسطين ، وتمكين

الاقليات الطائفية من الحكم في اقاليم معينة ، وعائلات في اقاليم أخرى ، وحاملي الافكار

الهدامة ، كالقومية العربية او القومية السورية ، او الاشتراكية ، والعسكرتاريا في اماكن اخرى

، وهكذا مضى القرن العشرين والامة ما زالت ممزقة ، ضعيفة ومهانة.

انهارت السلطنة مخلفة ورائها مجتمعات متخلفة ، فقيرة ، ضعيفة ، لقد طغى على الدولة

الهاجس العسكري على ما سواه ، فاهملت عبر تاريخها العلوم المعرفية والانسانية والتجريبية

، وانحصر الاهتمام بالعلوم الاسلامية في اطار المدن ، وتركت الارياف لتغط في ثبات عميق ،

غارقة في الجهل والحرمان والتصوف العبثي ، وتغلب الاقطاع ، فكان ذلك مادة دسمة تم

استخدامها لتفجير البنية الاجتماعية والسياسية وخاصة في بلاد الشام.

كان واضحا اهتمام فرنسا الموكل اليها ادارة الوضع القائم في قسم من بلاد الشام ، نتيجة

لاتفاقية سايكس بيكو ، بالاقليات ، كما كان واضحا الهدف الفرنسي من وراء ذلك ، ،هذا

الاهتمام ما زلنا ندفع ثمنه الى يومنا هذا .

لقد ادت الامتيازات التي منحها المحتل الفرنسي آنذاك للعلويين (دون300000 نسمة

آنذاك)الى اثارة السكان الآخرين على اختلاف طوائفهم ، وخاصة مع اعلان دولة العلويين ،

وتجنيد بضع آلاف منهم اضافة الى بعض الشركس والارمن تحت مسمى " قوات الشرق

الخاصة " ، وقد وصل عدد العلويين المجندين الى اربعة عشر الف مجند ، مدرب ومنظم

ومعرض لافكار جديدة بقيادة فرنسية فعالة، هذه المجموعة كانت القوة الضاربة للجيش

السوري الفتي فيما بعد ، وزاد من الفجوة ان اهل المدن من السنة كانوا يترفعون عن الالتحاق
بالجندية ، فيما كان يقبل عليها اهل الارياف الفقراء ومن دفعت بهم الاحزاب الثلاثة المتنافسة

على كل شيء بما في ذلك الجيش ، اضافة الى الاقليات الطائفية ، لذلك سنشهد صراعا

مستميتا على السلطة داخل الجيش المسيس من راسه الى ساسه كما يقول المثل .

في اواخر الاربعينات من القرن الماضي ، كانت سوريا تعج بالحركات العقائدية "القومي السوري

، الحزب الشيوعي ، حزب البعث " كانت تتنافس بينها على عقول الشباب ، غير انها كانت تتوحد

جميعها في مواجهة الاخوان المسلمين وزعماء المدن التقليديين .

كانت افكار العلمانيين من رواد الاحزاب الثلاثة تستهوي الشباب السوري وخاصة الاقليات منهم

، الذين يرفضون بطبيعة الحال اي دعوى تستهدف اعادة ربطهم في اطار المفهوم الاسلامي

للامة .

كان زعيم القوميين السوريين المسيحي الاورسوذوكسي انطوان سعادة ذو الاصل اللبناني ،

قد اطلق نظرية سوريا الكبرى ومضمونها " ان سكان بلاد الشام تجمعهم شخصية قومية

محددة ، كونتها الجغرافيا والتاريخ ، الامر الذي يميزهم عن بقية العرب"

وكان خالد بكداش زعيم الحزب الشيوعي الكردي الاصل ، في عداء مع التاريخ والجغرافيا

والجذور ، فيما كان حزب البعث نتاج تعاون بضع شخصيات من بينها زكي الارسوزي العلوي

الانطاكي ، وميشال عفلق المسيحي ، وصلاح الدين البيطار ، ثم انضم اليهم اكرم الحوراني

السني الحموي الثائر في وجه الاقطاع ، كل هؤلاء سيكون لهم دور في الصراع على السلطة

فيما بعد ، وكلهم عدو لفكر الامة ومبادئها وتاريخها .

» سوريا....نهاية مرحلة (الحلقة الحادية عشر)
» سوريا....نهاية مرحلة (الحلقة العاشرة)
» سوريا ...نهاية مرحلة (الحلقة التاسعة).
» سوريا ...نهاية مرحلة (الحلقة الثامنة ).
» سوريا ...نهاية مرحلة (الحلقة السابعة ).