علو الهمم بذر النعم

"علو الهمم بذر النعم"

والهمة راية الجد

وبالهمة والعزيمة يبلغ الانسان السمو والرفعة

ولا يكون السمو والرفعة الا بثلاث

": أن تمرغ وجهك ساجداً لله ، وأن تأكل الحلال، وأن تكون سليم الصدر"

ومن اراد السمو ، علت همته ، وعزت نفسه ، وصدقت رغبته ، فلا يرضى لنفسه

الدون، ولا يقنع بما دون الغاية ، ولا يقعد عن الجد والاجتهاد ،

هذا صلاح الدين الايوبي:

فقد ذكروا أنه لم يمزح ولم يبتسم، فسأله أصحابه : مالك؟

قال: لا أمزح ولا أبتسم حتى أفتح بيت المقدس!..

وفتح بيت المقدس وصف معه الأمراء والعلماء والوزراء،

وقام الخطيب شمس الدين الحلبي على المنبر فافتتح خطبته وأشار ـ

بعد الحمد لله والحوقلة ـ لصلاح الدين قائلاً:

تلك المكارم لا قعبان من لبن.......وهكذا السيف لا سيف ابن ذي يزن

ولا يبلغ المعالي ، ولا يسمو الا اصحاب الهمم ، اصحاب المرؤة

الم يظفر بذلك حاتم الطائي ..حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنته

(( لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه ))!.

و(حاتم) قصة من البذل ، قصة من السمو ، قصة من الجود ،قصة في علو الهمة

عندما تهب الرياح النجدية فتلعب بالبيوت،

وينضوي البخيل كالكلب في بيته ،

يخرج حاتم ويقول لغلامه:

التمس لي ضيفاً فإن أتيت الليلة بضيف فأنت حر، ثم يقول له:

أوقد فإن الليل ليل قر

والبرد يا غلام برد صر

إذا أتي ضيف فأنت حر!

ويقول:

أما والذي لا يعلم الغيب غيره.......ويحيي العظام البيض وهي رميم

لقد كنت أطوي البطن والزاد يشتهي........مخافة يوماً أن يقال لئيم

وهذا الربيع بن الخيثم ، العالم الزاهد ، علت همته فسمت نفسه

صنعوا له ذات يوم طعاماً خبيصاً ـ والخبيص من أجود الأكل ـ وكان الربيع جائعاً،

فلما قدمواله الجفنة، إذا بمسكين يطرق الباب!، قال ادخلوه فأكل.

فصنع له أهله خبيصاً مرة ثانية، ولما قدموه ليأكل إذا بمسكين يطرق الباب قال:

أدخلوه فأكل ،

وكان المسكين الثاني اعمي، فقال له أهله: والله ما يعلم هل هو خبيص أو لا ...،

قال : لكن الله سبحانه يعلم!.

فقالوا له: كيف ذلك؟ قال:

( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)(الحشر: 9)،

ثم قال

(لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ )(آل عمران: 92).

هكذا تسمو النفوس ، فتبلغ درجة الايثار ، في وقت تشتد فيه الحاجة

ومع ذلك تأبى الا بلوغ المجد برفعة النفس وطهارة الروح وعلو الهمة.

وقول المتنبي في ذلك من اجمل ما قيل:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم....وتاتي على قدر الكرام المكارم

وتعظم في عين الصغير صغارها.... وتصغر في عين العظيم العظائم.

ومن شعر المتنبي:

واذا كانت النفوس كبارا........تعبت في مرادها الاجسام

ويقول شاعر:

كن مثل نفسك في السمو الى العلى......لا مثل طينة جسمك الغدار

فالنفس تسمو نحو علو مليكها............والجسم نحو السُّفل هاو هار

ومن اقوال ابو القاسم الشابي:

ومن يتهيب صعود الجبال.......يعش أبد الدهر بين الحفر

وقال احدهم :

لا يدرك المجد من لا يركب الخطرا........ولا ينال العلا من قدَّم الحذرا

جلس محدث من المحدثين الكبار ـ ذكره الذهبي وغيره ـ، فرأي ألف عمامة أمامه،

كلهم يكتبون الحديث ، مع كل عمامة قلم، مع كل قلم محبرة، مع كل محبرة كتاب،

مع كل كتاب دفتر،

سره ذلك ، وقد راى نتاج علو همته في العلم والتعليم

فدمعت عيناه وقال:

هذا والله الملك لا ملك المأمون والأمين ، ثم أنشد فرحاً:

إني إذا احتوشتني ألف محبرة

يروون حدثني طوراً وأخبرني

ناديت في الجمع والأقلام مشرعة

تلك المكارم لا قعبان من لبن

وهكذا ، فنحن مدعوون الى التماس السمو والاباء والرفعة ،

ولا يكون ذلك الا ببذل الجهد في بلوغ مراتب الصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن اولائك رفيقا .

فالهمة الهمة ، والبذل البذل ، ما ها هنا زائل ، وما عند الله باق ،

فلنلتمسه بالرجاء والقول والعمل ،

ولنلتمسه بالثبات على الحق وشهادة الحق

ولنلتمسه بالبذل والتضحية والفداء