من غير افراط ولا تفريط

من غير افراط ولا تفريط
************

في حديث صحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ:

((الْقُطْ لِي حَصًى فَلَقَطْتُ لَهُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ، هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ، فَجَعَلَ يَنْفُضُهُنَّ فِي كَفِّهِ، وَيَقُولُ: أَمْثَالَ هَؤُلَاءِ فَارْمُوا، ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ))

ويقول الله تعالى

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾ [ سورة الكهف: 103-104 ]

الغلو مجاوزة الحد (قولا وعملا)، والحد هو النص الشرعي، كلام الله، وما صح من كلام رسول الله،

والنص الشرعي يُفهم وفق قواعد علم الأصول، ووفق قواعد اللغة العربية،

وإنّ مجاوزة هذا النص هو الغلو في الدين.

ويتمسك الغلاة في الدين بالنص الذي يغطي غلوهم ، يتمسكون به، ويرددونه، ويسلطون عليه الأضواء، والنص الذي ينقض غلوهم يهملونه، فإذا ذُكِّروا به صرفوه إلى غير المعنى الذي أراده الله عز وجل .

وبعض انواع الغلو ؛الغلو الاعتقادي ، أن تأخذ فرعا من فروع الدين وتجعله الدين
كله ، وهو أخطر الغلو بما يؤديه الى التفرقة بين المسلمين ، والمغالي في هذا نادرا ما يتوب .

ومنطلق الغلو ؛ بين الجهل واتباع الهوى ورد الفعل على اوضاع عبث فيها بعض انواع الغلو

فالغلاة على مدار التاريخ قليلو العلم ، جاهلون بالشرع . ولهذا حتى لو قرءوا القرآن فإنه لا يجاوز حناجرهم ، بمعنى أنهم يقرءون بدون تدبر ، وبدون فهم ، فلا يهتدون بهدي القرآن ، ولا ينتفعون بمواعظه.
والصفة الثانية أنهم يقعون في استباحة الدماء ،وذلك نتيجة تكفيرهم المسلمين

هاتان الصفتان تجدهما في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقد ثبت في صحيح البخاري ، من حديث أبي سعيد مرفوعًا ، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : « إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ ، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ »

لم يخل عصر من العصور من الغلو والمغالين ، غير ان علماء الامة وصجابة رسول الله من قبل ؛ تصدوا لمثل هذه الظواهر ،مبينين حكم الشرع فيها ؛ إبراءً للذمة ، وتحذيرًا من تلك المسالك المردية ، وهذا هو دور العلماء في كل زمان ومكان .

وان كنا ندعو الى الوسطية (العدالة والخيرية) ، فلأن دين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه ، فكلاهما منبوذ ، فلا افراط ولا تفريط ، وكلاهما مذموم في الشريعة ، وكلاهما مضيع لها ، هذا بتقصيره عن الحد ، وهذا بتجاوزه الحد .

﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [سورة البقرة : الآية 143]