خوف ورجاء (مدارج الصالحين )

خوف ورجاء

سألني : كيف يكون المرء متوازنا في عباداته

قلت : انظر الى قلبك

قال :وكيف يكون ذلك ؟

قلت : إن قلب المؤمن ينبغي أن يكون في سيره إلى الله

بين مقام الخوف ومقام الرجاء حتى يكون متوازنا في عبادته

لا يغلب جانب على جانب ،

فإن دعته نفسه للمعصية تذكر الخوف

وإن دعته نفسه لترك العمل ذكرها بالرجاء.

ثم قلت : افتح كتاب الله الى سورة الاسراء واقرأ قوله تعالى :

(أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ)

قال : نعم تذكرت قولا اعجبني لابن القيم رحمه الله ؛يقول:

(القلبُ في سَيره إلى الله عزّ وجلّ بمنزلة الطائر

فالمحبّة رأسه والخوف والرجاء جناحاه).

قلت : أما وقد ذكرت ابن القيم ، فتعالى ننظر في حال اولياء الله

ورقة قلوبهم خوفا ورجاء ، فقد عرفوا طريقهم الى الله !!

قال :يعجبني الجنيد يا ابتي ، لعلنا نجد في جعبته ما يثلج الصدر

قلت : نعم بالتاكيد ، فقد سُئل عن ذلك فكانت اجابته منارة الطريق

قال:" توبة تُحل الاصرار ، وخوف يزيل الغرّة ،

ورجاء مزعج الى طريق الخيرات ، ومراقبة الله في خواطر القلوب" .

رويدك ولدي : فقد تجاوزت الخمسين باربع ، فارفق بذاكرتي

وقد تذكرت قولا جميلا لابي هريرة رضي الله عنه ، فخذه قبل ان يفر

فلا انال نصيبي منه ، ويضيع نصيبه عليك ، قال : هات اذا !1

قلت : يقول :

"لا تطعم النار رجلا بكى من خشية الله ابدا حتى يرد اللبن في الضرع ،

ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري رجل مسلم ابدا"

قال : وقد فغر ثغره عن ابتسامة خبيثة ، قل يا ابي قبل ان تنسى !!

ربما حفظت شيئا للحسن مثلا او غيره

قلت : واين ستجد مثل الحسن ، اسمع اذا لمقالته الجميلة:

"ما اغرورقت عين بمائها الا حرم الله جسدها على النار ،

فان سالت على خد صاحبها لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة ابدا ،

وليس من عمل الا له وزن وثواب الا الدمعة فانها تطفىء بحورا من النار ،

ولو ان رجلا بكى من خشية الله تعالى في أمة من الامم لرجوت ان ترحم

تلك الامة ببكاء ذلك الرجل".

قال : لطالما أُعجبت بابن المبارك يا ابي ، ولطالما حدثتنا عنه

فما لك نسيته الان .

ضحكت من قوله ، وقلت : ذلك رجل من اهل الفضل

كان القاسم بن محمد من تلاميذ ابن المبارك وكان يسافر في

صحبته ، يقول ، لطالما تسائلت باي شيء فضل علينا ابن المبارك ،

وكنت اجتهد لمعرفة سره ، حتى رايته ذات يوم وقد ابتلت لحيته

بالدموع ، فقال بهذه الخشية فضل هذا الرجل علينا .

تنهد ابني ثم قال:

لقد قرات اليوم قولا لابي بكر الصديق رضي الله عنه ، قال :

"من استطاع منكم أن يبكي فليبك ، ومن لم يستطع فليتباك "

طبعا المقصود عند سماع القرآن

وقرات ايضا رواية لعائشة رضي الله عنها قالت :

كان ابو بكر اذا قرأ القرآن كثير البكاء .

وقرات عنه ايضا أنه مر على رجل وهو يبكي من خشية الله ،

فقال : هكذا كنا حتى قست قلوبنا.

قلت نعم ، ولو جلسنا نتكلم عن مواقف ابي بكر وما كان عليه

لعجزنا ان نحيط بها ، رضي الله عنه وارضاه .

الا انه امامي كتيب جميل وقد اورد بعضا من اقوال الفضيل

(بن عياض) وساختار لك منها بقعة مضيئة : اسمعه يقول:

خمس من علامات الشقوة :" القسوة في القلب ، جمود العين ،

وقلة الحياء والرغبة في الدنيا ، وطول الامل"

قال : بعد كل هذا كيف لنا ان نختصر تعريفا للخشية يا ابي !

قلت : الخشية تألم القلب بمعرفة جلال الله وهيبته

هكذا فهمها مثلا يزيد بن مزيد فتراه لا تجف عيناه من كثرة بكائه

ولقد سُئل في ذلك فقال :

أي أخي ان الله أوعدني إن عصيته أن يحبسني في النار ،

ولو أوعدني أن يحبسني في الحمام لكنت حريا الا تجف عيني

وفهمها عمر ، فينادي في ذلك كعب رضي الله عنهما :

خوفنا يا كعب ! فقال :يا امير المؤمنين ، انك من أمة مرحومة

ثم قالها الثانية ثم الثالثة ، ثم قال لكعب:

"والذي نفسي بيده لو قد افضيت الى يوم القيامة ، ونظرت الى النار ،

ثم كان لك عمل بسبعين نبيا ، لظننت انك لا تنجوا.

والذي نفسي بيده ، انها لتزفر يومئذ زفرة لا يبقى ملك مقرب ،

ولا نبي مرسل ، الا سقط على ركبتيه ، يقول : يا رب نفسي نفسي!

حتى ان ابراهيم ليقول : يا رب ، اني انشدك خلتي اياك.

فبكى عمر واشتد بكاؤه ،

فقال كعب : يا أمير المؤمنين، الا ابشرك؟

والذي نفسي بيده ، ما يزال الله يومئذ برحمته وصفحه وحلمه ، حتى

لو كان لك اربعين طاغوتا ، لظننت انك ستنجو،

ان ابليس يومئذ ليتطاول طمعا ، مما يرى من رحمة الله.

يا بني : واني لاعجب كيف نسعى في الدنيا مخافة الفقر ،

ولا نسعى الى الله مخافة النار

يا بني: هللا ألنا قلوبنا ،واستحضرنا ذنوبنا ومعاصينا

ونظرنا الى الجنة بعين الرضا ،والى النار بعين الخوف والهلع

فتنخلع قلوبنا خوفا ورعبا

يا بني : هللا رقت قلوبنا من خشية الله ،

وفاضت دموعنا من مآقينا لتغسل ذنوبنا

يا بني : هللا دعونا الله بقلب خاشع أن يردنا كيوم ولدتنا امهاتنا

من غير ذنوب ولا خطايا

نظرت الى ولدي ، وقد اغرورقت عيناه بالدموع ، فتركته الى نفسه

وذهبت انا اتلمس طريقي ، لقد اضحت الحياة اكثر وعورة

أمين قلاوون

» الى أمي (مدارج الصالحين)
» الحِلم (مدارج الصالحين)
» قيم الحرية (مدارج الصالحين)
» صن حبيبتاك (مدارج الصالحين)
» أدبني ربي (مدارج الصالحين )