قولوا لي : ماذا البس (مدارج الصالحين

قولوا لي : ماذا البس؟!!
******************

إخترت لكم اليوم حديثا عن اللباس

وارجو ان لا يأخذكم العجب ، فاللباس شغل العالم الشاغل

وقد انتابتني ضحكة اذ تخيلت آدم وحواء عليهما السلام ،

لما أكلا من الشجرة التي نهيا عنها ، فبدت لهما سوآتهما ،

فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة لستر ما رأياه مستقبحا

من سوآتهما

فقلت سبحان الله ، استقبحا أمرا لم يكلفا بستره بعد ،

انها الفطرة اذاً قبل التكليف .

وفي اللباس يا سادة ثلاثة فوائد:

اولهم : دفع الاذى ، من حرٍٍّ وقرٍٍّ ، وله في ذلك ان يتخذ قطنا

او كتانا او صوفا او ما شاء .........الا ما كان حريرا للرجال

ثانيهم : ستر العورة .....وستر العورة وجب بالشرع ، حتى ولو

استقبح العقل ذلك

ثالثهم : الجمال والزينة ، وهو أمر مستحسن بالعرف والعادة ،

من غير ان يوجبه عقل او شرع.

تعالوا معي نطوف حول العالم ،

لنرى لكل قوم نمط في لباسهم وزينتهم ،

وربما اتخذوا ايضا لبوسا خاصا لمناسباتهم ، ولبوسا يميز

طبقاتهم الاجتماعية او الدينية

فها نحن نرى لاهل البادية لباسا يميزهم ،

ونرى لاهل الشرق لباسا يختلف عن اهل الغرب

او كان نرى لباسا خاصا بالاجناد ، وزينة تميز فآتهم ،

ولباسا خاصا بالكهنة ، وزينة تميز درجاتهم....وهكذا !!

ثم اننا نرى ذلك التفاضل وفقا للحال ما بين لباس الموسر ولباس المعسر ،

فاذا عدَلَ الموسر الى زي المعسر عُدَّ ذلك شحا وبخلا

واذا عدل المعسر الى زي الموسر كان تبذيرا واسرافا

واذا عدل الرفيع الى زي الدنيء عُدَّ ذلك مهانة وذلا

واذا عدل الدنيء الى زي الرفيع عُدَّ ذلك جهلا وتخلفا

وكان عمر ابن الخطاب يقول :

"اياكم لبستين : لبسة مشهورة ولبسة محقورة"

وقال احد الحكماء :

"البس من الثياب ما لا يزدريك فيه العظماء ولا يعيبه عليك الحكماء"

وقال احد الشعراء :

إن العيون رمتك اذ فاجأتها............وعليك من شهر الثياب لباس

اما الطعام فكل لنفسك ما تشا....واجعل لباسك ما اشتهاه الناس

******

والمروءة تقضي ان يعتدل الانسان في لباسه وطعامه

وسائر امور حياته ، وان يعتدل في ذلك وفقا لامكانياته ،

فلا يرتب لاجل ذلك عبئا لا يقدر عليه ، ولا يسرف ايضا ،

فمن تعدى طوره وتجاوز قدره ، واستدان لزينته كان اقبح لذكره

وابعث على ذمه ،

وقد عرفت ناسا ، لسان حالهم يقول (استدن لتتزين ) ،

وكانت نتيجتها وبالا عليهم وعلى اولادهم .

وحكي عن رجل من قريش كان اذا اتسع لبس أرثَّ ثيابه ،

واذا ضاق لبس أحسنها ، فقيل له في ذلك ، فقال:

اذا اتسعت تزينتُ بالجود (صفة الكرام) ، واذا ضقت فبالهيئة

وقال ابن الرومي ما هو ابلغ من ذلك :

وما الحليُّ الا زينة لنقيصةٍٍٍِ ....يتمِّمُ من حسنٍِ اذا الحسنُ قصَّرا

فأما اذا كان الجمال موفَّرا......لحسنِكَ لم يحتج الى ان يُزورا

وقال احد الحكماء: ليست العزة حسنَ البِزة

وقال احد الشعراء:

وترى سفيه القوم يدنس عرضه....سفها ويمسح نعله وشراكها

*******
ثم ايها الاخوة من ذا الذي يمضي حياته يخدم ثيابه ،

ليُتحدث عن اناقته ، الا مخبول

فالبس من الثياب ما يخدمك لا من يستخدمك

والبس ثوبا تتقي به خير لك من ان تلبس ثوبا تقيه بنفسك

وقد حكي عن ابن عائشة:

ان رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنظر اليه رثَّ

الهيئة ، فقال : ما مالُك؟

قال: من كل المال قد آتاني الله

فقال: " ان الله يحب اذا انعم على امرىء نعمة أن ينظر الى أثرها عليه"

وقد قيل : المروءة الظاهرة في الثياب الطاهرة.

فما قولكم بعد كل هذا فيمن جعل جُلَّ همه في الازياء وعروضها

وتعبد للموضة بماله وهيئته ، وجعلها اكبر همه

اغتروا بمظاهر وزينة ، والناس اكثرهم اهل ظاهر

والناس أكثرهم فاهل ظواهر.........تبدو لهم ليسوا باهل معاني

فهم القشور وبالقشور قوامهم.......واللبُّ منه خلاصة الانسان

أمين قلاوون

» الى أمي (مدارج الصالحين)
» خوف ورجاء (مدارج الصالحين )
» الحِلم (مدارج الصالحين)
» قيم الحرية (مدارج الصالحين)
» صن حبيبتاك (مدارج الصالحين)