عز الامانة أغلاها (مدارج الصالحين)

عز الامانة اغلاها
************

سالني: لماذا كل هذا التصحر في حياتنا ؟

لماذا لا يجتاحنا مثل ما اجتاح الامام علي رضي الله عنه ؟

اسمع هذه الرواية يا أبتي تقول : !!

كان رضي الله عنه كلما دخل عليه وقت صلاة اصفرَّ لونه مرة ،

واحمرَّ أخرى فقيل له في ذلك ؟ فقال :

أتتني الامانة التي عُرضت على السماوات والارض والجبال ،

فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ، وحملتها أنا ، فلا أدري

أُسيئُ فيها أم أحسن " .

قلت : ذلك لحضور قلبه وروحه ووجدانه امام عِظم ما حُمِّل

اولا تدري يا ولدي ان اول شيء يضيعه الناس الامانة ،

وآخرها الصلاة .!!

قال : نعم يا ابتي فقد عُلّمنا ان الودائع امانات وكذلك الاسرار

والمجالس!!

قلت : اولم تُعلَّم ايضا ان الامانات تكون في الدين ايضا ، ؟

اراك ذكرت امانات الدنيا دون ان تذكرها !!!

قال: لا انا لم اقصد ، فقد قرأت الآية ولم اجد فيها ما يخصص

والتعميم اولى ، عنيت بها الآية 72 في سورة الاحزاب:

"إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن

يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا" .

قلت: فاعلم اذا ان الأمانة هي حق الله على عباده وما شرعه

لهم من توحيده والإخلاص له، وسائر ما اوجب عليهم ،

وترك ما حرم الله عليهم ، والمطلوب تاديتها على وجهها.

قال : وكيف يكون ذلك ؟

قلت : اذا دخلت في صلاتك ، اديها كما أوجبها الله عليك ،

وعلى ما اراده الله منك ،وكذلك الامر في صيامك وحجك

وزكاتك ، فكلها امانات ، وبر الوالدين امانة ، وترك المحارم

امانة ، وكلها يجب ان تؤدى بنفس الهمة ،وبطيب نفس

وبكل اخلاص ، وبقوة الرغبة بما عند الله ، فان فعلت

انشرح صدرك واطمأنت نفسك ،وفزت بالرضى

اما ان قصرت ، او قلَّ حظك من نفسك فادبرت ، فقد حق

عليك وصف الجهل والظلم

قال : مسكين ابن آدم ، تحيطه النواقص في امره كله ،ثم

ينعم الله عليه بما يتمم به نقصه فيدبر ، وهو موكول على ا

ي حال الى فطنته ثم لا يعتبر .

قلت : أرأيت الى من ضيع الامانة فيما افترض الله عليه ونهاه

عنه ، هل يقدر على أمانات اهل الارض ؟

قال : قرأت يا ابتاه حديثا يقول فيه صلى الله عليه وسلم:

" لا دين لمن لا أمانة له".

قلت : نعم ، فالامانة حلية من تحلى بها ، فقد حاز بعض

من اخلاق النبوة ، ولا دين لمن لا خلق له .

قال : فكيف اذاً بمن ولي أمر الناس ، واستؤمن على مصالحهم ؟

قلت : لذلك كان من الامانة ان يوسد الامر الى اهله ،

الامر الذي يتطلب التزام معايير الكفاءة سواء الكفاءة العلمية

او الاخلاقية او البدنية والشخصية

الم تر الى ابي ذر رضي الله عنه ، يطلب من رسول الله صلى

الله عليه وسلم ان يستعمله فيرده قائلا " انك ضعيف وانها أمانة " .

قال : سبحان الله يرده وهو من هو بين الصحابة ، وما يتمتعه

من دين وخلق .

قلت : نعم ولكن لا يصلح الامر بالمهازيل ، مهما اوتوا من صدق

نية واخلاص

قال: اظن ان الناس على خطر عظيم ، فقد اخبرني صديق لي؛

ان بعضا من المؤسسات الخيرية، يجري تداول المسؤوليات

في مستوياتها المختلفة باساليب الكولسة ، وربما بقي

بنتيجتها الاكفأ والاجدر بعيدا عن مواقع المسؤولية ، وفاز فيها

من حاز العدد الاكبر من الاصوات والتي تم جمعها باسلوب الكولسة

فكيف يكون حظها من النجاح ؟

قلت متعجبا " الكولسة " يا لها من تعبير !! لقد رسمت صورة

سيئة وخطيرة .

نعم يا ولدي انها تجاوز مفرط للامانة ، فلكل مستوى من

المسؤولية رجاله ، والاولى ان تُلتَزم معايير محددة تتناسب مع

المسؤولية ، ويترك للمعنيين تقديرها ، مع ما في ذلك ايضا

من أمانة ، والغايات لا تبرر الوسائل ، فالغايات العظيمة لا

تدرك الا بالوسائل الشرعية والسامية .

قال : ابتاه لقد عُلمنا من هدي النبوة أمانة المجالس ، ولكن

أرأيت لو ان فيها ما نكره؟

قلت : يا ولدي لا زالت المجالس بالامانة ما لم يسفك فيها

دم حرام ، او اعتداء على الاعراض ، او على مال بغير حق ،

فان ذلك لا حرمة له ، ويقاس على ذلك اشباهه .

دنوت منه وحضنت راسه الى صدري وقلت وانا اقبل راسه :

اعلم يا ولدي ان حفظ الاسرار ، اصعب على المرء من حفظ

الودائع ، ولا يقدر عليه الا من حباه الله بحبه وتاييده ونصره ،

واعلم ان تمكين الرجل المناسب في موقع المسؤولية ، يحتاج

الى صفاء قلب وانعتاق من من لوثات الحياة الدنيا ، وان ادائك

للامانة فيما افترضه الله عليك ونهاك عنه ، نعمة كبرى ، وشرف

عظيم ، ولا يدرك ذلك كله الا بسمو الروح ، وقهر النفس ،

وادراك مدارج الحكمة ومسالكها الى قلبك.

أمين قلاوون

» الى أمي (مدارج الصالحين)
» خوف ورجاء (مدارج الصالحين )
» الحِلم (مدارج الصالحين)
» قيم الحرية (مدارج الصالحين)
» صن حبيبتاك (مدارج الصالحين)