من ردَّ غَضَبَه هدَّ من أغضبه (مدارج الصالحين)

من ردَّ غَضَبَه هدَّ من أغضبه
*******************

التقيته !! وقد احمر وجهه وانتفخت اوداجه ، ووجدته يرغي ويزبد ، ولم أدر

أي كلام يتفوهه ، الا انها ولا شك ترهات من استبد به الغضب ، واحاط به

الشيطان ونفخ في منخريه ، واصم قلبه واذنيه ، فاي سهم سيخترق حصنه ؟

قلت لا شك ان (الغدة الكظرية والاعصاب الودية ) قد فعلا فعلتهما ، فالادريالين

لا شك مرتفع ، واضح من تسارع انفاثه ونبضات وريده ، يا رب استر، يا رب سلم

قلت ذلك لاني اعرف معاناته الصحية ، فالانفعالات الشديدة تجهد قلبه ، ويرفع من

ضغط دمه، ويُخشى في هذي الحال من تعرضه لانقباض ما في شرايينه واوردته

او تعرضه لنزف دماغي او الجلطة او العمى ، تبا للحظات الغضب ، كم هي مقيتة

وفي هذا الموقف تذكرت طبيبي عندما اخبرني ان معظم حادثات السكري

تبدأ بعد انفعال شديد او غضب ، وان للغضب آثار سلبية كثيرة على الصحة

بما في ذلك الاصابة بالسرطان ، لما يؤديه من اضطرابات هرمونية شديدة

قلت ، صلى الله عليك يا رسول الله ، عرفت بنور الوحي ما غاب عنا ونصحت

بما يصلح شأننا ، وانت الخبير بطبيعة البشر ، ودوافع الغضب من حولهم كثيرة

فكيف بمن اذا غضب كانت غضبته لله ورسوله او لعرضه وماله واماناته وبلده

فتراك وصفت الوصف ، فادويت ونصحت ، فكنت خير مداوي ، وخير أمين وناصح.

وقفت له طريقه : لا بد ان الشيطان قد نزغ بينك وبين أحدهم فاستعذ بالله يا صديقي !

قذف احدهم بشتيمة من فيه ، ولم يعر كلامي كثير اهتمام ، الا انه وقف ينظر الي،

وما زال يهتز كأنه جان ، لمست نظرة الاستجداء في عينيه !.

فلم أزد أن قرأت على مسمعيه قوله تعالى

" وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم"(الاعراف200)

وللمرة الثانية، لم ينبث صاحبي ببنت شفة ، الا ان الرجفة تلاشت ، ونظرة عينيه تبدلت

وراح يتلفت يمنة ويسرة ، يهرب بعينيه من ان تقعا على عيني ،

فما لبثت ان قلتها ثالثة .....استعذ بالله يا صديقي.

فكرر صاحبي : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ،ثم راح يكررها الى ان هدات اعصابه

امسكت بيده ، وكنا قريبا من مسجد الحي ، دلفنا اليه سوية ، ثم انحنيت به الى الميضأة

وقلت له توضأ فالماء البارد يهدئ من فورة دمك ويخفف من توتر اعصابك .

قلت وهو يغسل وجهه :

" يا صديقي ادفع بالتي هي أحسن ، الا تحب ان تكون في زمرة المحسنين ، الم تقرأ

قول الله تعالى

(الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران .

وقوله تعالى " وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)
سورة فصلت .

وقوله تعالى "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)
الفرقان الآية 63

نظر الى صديقي والماء ينساب الى مرفقيه ، ثم ما لبث ان قال :

انه يريد ان يأكل تعبي ، انه يكذب علي ، شيء لا يطاق ، أمر لا يحتمل ، انه ..انه ..انه..

قلت : لا بأس يا صديقي ، ولكن لا تدع ذلك يجرك الى غضب لا تجني منه حقك ابدا

ثم انه قد يودي بك ، الم تر ما انت عليه من سوء حال ، فلا تغضب ، ليست وصيتي

انها وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي الدرداء

"يقول رضي الله عنه: " قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة

قال : لا تغضب " .....رواه الطبراني بإسناد حسن .

قال : كدت افقد عقلي ، ولولا ان دفعني الناس عنه لقتلته ، لم اعد احتمل نفاقه...

كان صديقي قد انتهى من وضوئه ، فتوجهنا الى صحن المسجد ، قلت فلنصلي ركعتين

تحية المسجد ثم لنكمل .

كان للوضوء ثم الصلاة تاثيرهما الواضح على صديقي ، فقد هدات اعصابه وارتخت

وذهب الاحمرار من عينيه ، امسكت بيده ، ثم قلت :

ترفق بنفسك يا عزيزي ، وامسكها عن الغضب ، حتى لا يعمى بصرك عن رؤية صالحك

فاقل الناس غضبا أعقلهم ، سواء اكان ذلك لله او للدنيا

فان كان لله فقد أدركت رضاه ، وان كان للدنيا فقد ادركت الحكمة

ولقد قرأت حديثا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن معاذ بن أنس رضي الله عنه أنه قال

:" من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله سبحانه وتعالى على رؤوس

الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء "( رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن ).

قال: بالله عليك زدني ، فلا ازال اشعر بالضيق والاختناق !.

قلت : يا صديقي متى قويت نار الغضب اعمت صاحبها ، وتركته لعبة بين يدي الشيطان

وقد قيل ان ابليس بدا لموسى عليه السلام ، فقال فيما قال ؛ يا موسى: اياك والحدة

فاني العب بالرجل الحديد كما يلعب الصبيان بالكرة .

قال صديقي : نعم فعلا ان الامر كذلك ، لحظات عمىًأُصِبتُها ، كادت تودي بي

لقد كدت أقتل الرجل ، تبا للغضب ، وتبا لمن كان السبب ...ثم قام منصرفا..

ناديته قائلا : نصيحة تذكرني بها يا صديقي " من ردَّ غَضَبَه هدَّ من أغضبه"

لا تنسى ذلك .

تبسم وانطلق وهو يقول ، لا عليك سافعل ان شاء الله...

أمين قلاوون

» الى أمي (مدارج الصالحين)
» خوف ورجاء (مدارج الصالحين )
» الحِلم (مدارج الصالحين)
» قيم الحرية (مدارج الصالحين)
» صن حبيبتاك (مدارج الصالحين)