لبنان اي وطن (الحلقة الرابعة )

الدروز في ظل دولة لبنان الكبير
***********************

لقد اقتنع الدروز بعد عام 1920 وفي ظل دولة لبنان الكبير بوضعهم كأقلية لها ممثليها في

المجالس التمثيلية المختلفة ، وقد راعى دستور سنة 1926 الذي وضعه الفرنسيون الاوضاع

القائمة في لبنان حينها بأن وزع مناصب الدولة بين مختلف الطوائف ، دون أن يحدد نصيب كل

طائفة وكيفية ذلك ، وترك ذلك لتفاهم الافرقاء .

ولما كان الدروز من القلة في العدد بحيث تعذر عليهم الأخذ بنصيب فعال من الزعامة ، سعوا

الى إثبات وجودهم سياسيا باللجوء الى المعارضة في ظل امتعاضهم الشديد من السيطرة

المارونية على مفاصل الدولة بتأييد من المحتل الفرنسي، وخاصة أن اقربائهم دروز حوران كانوا

في حرب مع هذا المحتل أيام الثورة السورية عبر الحدود اللبنانية.

انسجم الموقف السياسي العام للدروز في مواجهة الانتداب الفرنسي مع موقف طائفتي

السنة والشيعة ، وقد شهدت هذه المرحلة الكثير من المناورات الحزبية واستغلال الزعماء من

مختلف الطوائف النفوذ السياسي حتى بما يفوق وعيهم للمشاكل الاجتماعية والسياسية

والاقتصادية التي يعانيها اللبنانيون ، ولم يشذ الدروز عن هذه الحال ، وربما كان السبب الاهم

في ذلك محاولة هؤلاء الزعماء تثبيت مواقعهم في إطار الدولة المنشأة حديثا ، إضافة الى حجم

تمثيل ونفوذ الطائفة التي يمثلون ، علما أن القيادات الشعبية للطائفة السنية وخاصة في

بيروت وطرابلس لم تتقبل بسهولة هذه الدولة الناشئة ودعوا الى الكثير من المؤتمرات

(مؤتمري الساحل الاول والثاني ) ، وقادوا الكثير من التظاهرات مطالبين بضم المناطق اللبنانية

السنية الى سوريا ، وقد أيد قلة من الدروز مطالب السنة ، ساندهم في ذلك قلة من الشيعة

إضافة الى الحزب القومي السوري الذي تأسس سنة 1932 ، وأكثر أعضائه من الروم

الارثوذكس والانجيليين.

إن عدم إجماع الساحة الدرزية على الدعوة الى الوحدة مع سوريا سببه إدراكهم لكونهم أقلية ،

يستحيل معها تحقيق أي نفوذ فاعل في ظل الوحدة ، لذلك كان عليهم انتظار ما توؤل اليه هذه

الدعوة دون أي استفزاز للساحة السنية ، لذلك عندما تأسس حزب الكتائب سنة 1936 كحزب

قومي في مواجهة دعاة الوحدة سارع المسلمون ومعهم الدروز الى إنشاء مجلس استشاري

إسلامي لتنسيق مطالب الطوائف الاسلامية في البلاد ، وشجعوا الشباب المسلم الى

تأسيس حزب النجادة عام 1937 للوقوف في وجه الكتائب .

منذ سنة 1943 ومع انتخاب بشارة الخوري رئيسا للجمهورية ورياض الصلح رئيسا للحكومة

واضعي "الميثاق الوطني " تكرست والى يومنا هذا قاعدة اشتراك الطوائف الرئيسية الست

في أي حكومة يتم تأليفها ومن بينها الدروز ، هذا الأمر ادى الى إعادة اصطفاف الشارع في كل

طائفة وبروز زعامات طائفية قوية ، واستطاع كمال جنبلاط سنة 1949 من تنظيم أنصاره

ومعظمهم من الدروز في اطار الحزب التقدمي الاشتراكي ، وأخذ يندد بالفساد القائم ويدعو

الى تغيير الاوضاع ، ونجح جنبلاط سنة 1951 من دخول المجلس النيابي وتكريس نفسه ايضا :

الزعيم الاقوى للدروز، وعليه ! فسوف يلعب جنبلاط دورا متميزا في السياسة اللبنانية لحين

اغتياله في آذار 1977.

مع زعامة جنبلاط للطائفة تعززت مواقعها داخل اللعبة السياسية اللبنانية ، ساهم في ذلك

شخصية جنبلاط ومؤهلاته القيادية والفكرية والفلسفية وإجادته في ملاحظة المتغيرات الدولية

، وحرصه على الانفتاح على الطوائف الاخرى وخاصة الاسلامية ، وبناء أفضل العلاقات مع

المنظمات الدولية والمؤسسات الاشتراكية في العديد من الدول.

منذ الاستقلال ولغاية إقرار اتفاق الطائف كان لرئاسة الجمهورية الكلمة الاخيرة في تقرير شوؤن

البلاد ، ولا يحد من ذلك سوى وجود رئيس قوي لمجلس الوزراء ، أو جبهة معارضة مستعدة

للمجابهة حتى النهاية ، لقد كان جنبلاط بحق محوريا في تكوين مثل هذه التكتلات المعارضة ،

هذه المعارضة الفاعلة لجنبلاط أدت في18أيلول 1952 الى استقالة بشارة الخوري ثم انتخاب

كميل شمعون رئيسا للجمهورية ، غير أن حبل الود لم يدم مع شمعون واستمر جنبلاط في

مناوأته طيلة ست سنوات ، فقد حاول جنبلاط بعد ايصال شمعون الى الرئاسة بدعم " الجبهة

الاشتراكية " المشاركة في وضع السياسة العامة للعهد مع اطلاق مطالبات شعبية مثل فتح

تحقيقات في الثراء غير المشروع ومحاربة الفساد واصلاح الادارة ، الأمر الذي تجاهله شمعون

تماما بل وحاول تحطيم نفوذ معارضيه ، لذلك تكونت جبهة معارضة لشمعون سنة 1957 كان

جنبلاط من اقطابها الى جانب الزعماء السنة وأقطاب الكتلة الدستورية وأعداء شمعون الآخرين

سميت " بالجبهة الوطنية ".

فشلت الجبهة بتحقيق اهدافها بالطرق الدستورية ، مما حمل البعض الى اللجوء الى اعمال

العنف والبداية كانت في الشوف أحد معاقل الطائفة الدرزية حيث نسفت الجسور وسدت

الطرقات وانهار الامن في بقية المناطق، وزاد من تأزم الامور اعلان الجمهورية العربية المتحدة

بين سوريا ومصر ، الامر الذي احيا الآمال بامكانية تحقيق الوحدة وخاصة لدى اولئك الذين

عارضوا دولة لبنان الكبير .

ومع مقتل الصحافي المعارض نسيب المتني في 8/5/1958 اندلعت ثورة مسلحة شملت الى

جانب طرابلس وصيدا والاحياء الاسلامية السنية في بيروت منطقة الشوف الدرزية ، ومع تسلم

اللواء شهاب الحكم لم يتأخر في إعلان اهتمامه بالمناطق الدرزية الى جانب مناطق اسلامية

محرومة ، ولم يتأخر جنبلاط بتأييده ، غير أن جنبلاط بدا في كل مرة يؤيد الرئيس" أي رئيس" في

بداية الحكم ثم لا يلبث أن ينتهي معارضا عنيدا ، حتى باتت سمة جنبلاطية بامتياز.

سنة 1969 اعلن عن اتفاقية القاهرة بين منظمة التحرير والدولة اللبنانية برعاية الرئيس

المصري جمال عبد الناصر،

وكانت بمثابة اعتراف رسمي بوجود دولة داخل دولة ، ومع ذلك وافق مجلس النواب بالاجماع

على هذه الاتفاقية باستثناء " ريمون إده" ، وكان الدروز من بينهم !.

يتبع......

**************

أمين قلاوون

» لبنان اي وطن .....(الحلقة الرابعة عشر )
» سلسلة الانحراف الشيعي الاثنا عشري (الحلقة الرابعة )
» لبنان اي وطن ...(الحلقة الثامنة )
» لبنان اي وطن .......(الحلقة التاسعة)
» لبنان .....اي وطن (الحلقة العاشرة )