اتقوا فراسة المؤمن (مدارج الصالحين )

اتقوا فراسة المؤمن
***************

اخرج الترمذي فيما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:

"اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله ".

ثم تلا قوله تعالى :

" ان في ذلك لآيات للمتوسمين ".. أي للمتفرسين

والوسم ؛ هو العلامة التي يستدل بها على مطلوب غيرها .

يقال : توسمت فيه الخير إذا رأيت ميسمه فيه ، أي علامته التي تدل عليه

ومنه قول عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه - في النبي - صلى الله عليه وسلم - :

إني توسمت فيك الخير أعرفه****** والله يعلم أني ثابت النظر

وقال الآخر :

توسمته لما رأيت مهابة ****** عليه وقلت المرء من آل هاشم

فالمتوسمون أناس صفت نفوسهم بتقربهم الى الله عز وجل ،فسمت

وارتقت ، فقويت بصيرتها ، بما تلألأ به القلب من نور قذفه الله فيه ، فبات

اصحابها في نظرتهم للوقائع نظرةَ تأملٍ وفراسةٍ وتدقيقٍ، ومن ينظر بنور

الله تعالى ، لن يَضِلَّ به السبيل ولن تشتبه عليه الامور ، فما يُدرك بنور

القلب لا يُدركَ بالعين المحسوسة ، وكلما كان العبدُ أقربَ، كلما قوِيَتْ بصيرتُه،

واشتدَّتْ عزيمتُه، وزكتْ نفسُه، وصفتْ حواسُه، وتجلَّت له من المعارف

والأسرار ما يُبهِر العقول.

ولننتقل معا الى واقع الناس ولنبدأ مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، يقول:

أفرس الناس أربعة :

- العزيز في يوسف حيث قال لامرأته : " أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً " .(يوسف:21)

- وابنة شعيب حين قالت لأبيها } :إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين} [القصص: 26]

- وابو بكر في عمر رضي الله عنهما حين استخلفه

- وامرأة العزيز حين قالت : " قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا" (القصص 9)

وكان ابو بكر الصديق أعظم الامة فراسة ، لا تكاد تخطىء فراسته ، وبعده

عمر بن الخطاب ، ووقائع فراستهما مشهورة .

وقد وافق عمر ربه في ثلاث:

حين قال : يا رسول الله لو اتخذنا من مقام ابراهيم مصلى ،فنزلت (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى )

وحين قال: يا رسول الله ، يدخل على نسائك البَرُ والفاجر ، فلو أمرتهن أن يحتجبن ، فنزلت آية الحجاب ( وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب).

وحين اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة ، فقال : عسى ربه ان طلقكن ان يبدله ازواجا خيرا منكن ، فنزلت كذلك .

ويروي أنس بن مالك يقول : دخلت على عثمان ، وكنت رايت امرأة في الطريق

فتاملت محاسنها ، فقال عثمان : يدخل احدكم وأثر الزنا ظاهر بين عينيه !،

فقلت : أوحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،

فقال : لا ولكن تبصرة وبرهان وفراسة صادقة .

وروي عن الشافعي ومحمد بن الحسن أنهما كانا بفناء الكعبة ورجل على

باب المسجد فقال أحدهما: أراه نجاراً، وقال الآخر: بل حداداً،

فتبادر من حضر إلى الرجل فسأله فقال: كنت نجاراً وأنا اليوم حداد.

وروي عن جندب بن عبد الله البجلي أنه أتى على رجل يقرأ القرآن

فوقف فقال: من سمع سمع الله به، ومن راءى راءى الله به.

فقلنا له: كأنك عرضت بهذا الرجل، فقال:

إن هذا يقرأ عليك القرآن اليوم ويخرج غداً حرورياً، فكان رأس الحرورية،

واسمه مرداس.

وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل عليه قوم من مذحج فيهم

الأشتر، فصعد فيه النظر وصوبه وقال: أيهم هذا؟

قالوا: مالك بن الحارث. فقال: ما له قاتله الله!

إني لأرى للمسلمين منه يوماً عصيباً، فكان منه في الفتنة ما كان.

اما بعد:
******
اعتقد ان المؤمن بحاجة الى قوة التفرس ، الامر الذي يساعده في اصابة

حقائق الامور في مجريات الاحداث وما اكثرها في ايامنا ، وقد تمرس اهل

النفاق في تزيين ممارساتهم فتظهر للناس على غير حقيقتها ، وغير

مقاصدها فيدلسون على الناس ، فيفتنون ويفسدون.

ويساعد التفرس ايضا في اختيارك لرفقائك اصدقائك ، ، ولا تتوطد اركان

الصداقة والصحبة الا اذا استحكمت حلقات المحامد والفضائل ، ولا تخفى

اماراتها على ذي بصيرة ، بانتظار ان تؤكدها الصنائع .

وتساعد على اختيار الاكفأ للمنصب ، كما استقراته ابنة شعيب في موسى عليه السلام ،

وكما كان يفعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

ويساعدك ايضا في تدبر الامور ( وخاصة في تادية الواجبات والتكليفات) وذلك

بحسن التبصر والتفرس.

وان كان لنا من امنية ، ففي هداية الله لنا وتوفيقه بادراك طريقنا اليه سبحانه ،

فيبصرنا بما نحتاجه لتلمس طريقنا الى الاصلاح والى النجاة والى الفوز بالرضى

والرضوان ،

أمين قلاوون

» الحكمة ضالة المؤمن (مدارج الصالحين)
» الى أمي (مدارج الصالحين)
» خوف ورجاء (مدارج الصالحين )
» الحِلم (مدارج الصالحين)
» قيم الحرية (مدارج الصالحين)